المعطيات المتوافرة تؤكد أنَّ مصيرًا جديدًا تُحاول الولايات المتحدة ودولة الاحتلال رسمه لإنهاء عمل وكالة "أونروا" وإحالتها إلى التقاعد، حيث فَتَحَت دعوات نتنياهو المُتكررة من حينٍ لآخر، لتفكيك "أونروا"، ومطالبته المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بطرح الموضوع على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فصلا جديدا من سعي دولة الاحتلال للتخلص من أحد أهم الملفات في إطار ما يُعرف بـ”الحل النهائي”، أي حق العودة، ومصير اللاجئين الفلسطينيين.
وسعى نتنياهو، من خلال تحريضه ضد وكالة "أونروا"، لدى المسؤولة الأميركية المعروفة بمواقفها المؤيدة لأجندة الاحتلال وسياساته، إلى استحضار خطابه المعروف ضد الوكالة، بزعم أنها تشكّل تكريسا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وأنه “يتم في مؤسساتها تحريض واسع النطاق ضد (إسرائيل)”.
إنَّ حكومة نتنياهو، تحاول توظيف الموقف الأميركي، واستثمار الأجواء العامة التي تَبُثها السفيرة الأميركية نيكي هيلي داخل الأمم المتحدة بشأن وكالة الأونروا، وربط الفكرة بما بات يُعرف بـ”صفقة القرن” التي يصف بها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مشروعه غير الواضح لتسوية دائمة، في إطار مبادرة لتسوية شاملة مع الدول العربية، ويسعى نتنياهو من وراء إطلاق التداول بهذه الفكرة إلى خلق ديناميكية هدفها الأساس، التقليل من “حجم قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة”، وطي ملف حق العودة كليًّا.
عمليا، وبعد يوم واحد، من قرار الرئيس الأميركي بشأن مدينة القدس، وإعلانه أنَّ قضية القدس لن تُطرح في أي مفاوضات سلام مستقبلية، أفادت تقارير إعلامية بأن (إسرائيل) طالبت البيت الأبيض بإلغاء حق العودة للفلسطينيين. ونقلت قناة "حدشوت" الإسرائيلية عن مصادر في حكومة نتنياهو قولها: “إنه الآن، بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، أن تكمل خطوة البيت الأبيض اللاحقة في شطب حق العودة لملايين الفلسطينيين إلى (إسرائيل) من لائحة مسائل الوضع النهائي في عملية السلام”. وذكر أحد مصادر القناة أن البيت الأبيض سيعرض بعد ذلك مقترحًا للسلام كان الرئيس ترامب يتحدث عنه في اجتماعات منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا أواخر كانون الثاني/ يناير 2018، مشيرة إلى أنه “ربما من الأفضل تسمية هذا المقترح بخطة (بنيامين) نتنياهو” لأنه سوف يلبي معظم مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي”.
لقد قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وكرر أكثر من مرة: إنه حان الوقت لتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة الأونروا، بنيامين نتنياهو يشير في هذا الصدد إلى أنه “منذ الحرب العالمية الثانية كان ولا يزال هناك عشرات الملايين من اللاجئين وخصصت لهم مفوضية سامية في الأمم المتحدة بينما خُصصت للاجئين الفلسطينيين الذين تم توطين الأغلبية الساحقة منهم، مفوضية أخرى خاصة بهم فقط هي الأونروا التي يمارس في مؤسساتها تحريض واسع النطاق ضد (إسرائيل)، ولذا فإن الأونروا بسبب وجودها وأيضا بسبب نشاطاتها تخلّد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بدلا من حلها وحان الوقت لتفكيكها ودمج أجزائها في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة لهيئة الأمم المتحدة”.
الموقف إياه، الذي أطلقه نتنياهو، ينسجم مع الأهداف الإسرائيلية القديمة/ الجديدة التي ترى في استمرار عمل ورسالة وكالة (أونروا) عَقَبة يجب تجاوزها في إطار إنهاء وطمس قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة. فمساعي نتنياهو للتخلّص من المنظمة الدولية (أونروا)، تأتي في إطار جهوده لتمرير أي مشروع سياسي يتجاوز قضية اللاجئين، ومطالبته بتفكيك وكالة (أونروا) تحمل دلالات سياسية صارخة، أبرزها أن (إسرائيل) ترى بوجود المنظمة الدولية (أونروا) تأكيدًا على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة. ومن المستبعد أن تستجيب الأمم المتحدة لمطلب نتنياهو بتفكيك وكالة (أونروا).
لقد كرر نتنياهو دعوته لإنهاء عمل وكالة الأونروا، معتبرا إياها “منظمة تُديم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وتُديم أيضا رواية ما يسمى بحق العودة الذي يهدف إلى تدمير دولة (إسرائيل)، ولذا يجب أن تزول الأونروا من الوجود”، حسب تعبيره. وأضاف أنه بينما يحصل ملايين من اللاجئين حول العالم على مساعدات من مكتب المفوضية العليا للاجئين، فإن الفلسطينيين وحدهم لديهم منظمة مخصصة لهم تتعامل مع “أبناء أحفاد اللاجئين، وهم ليسوا لاجئين” حسب تعبيره. ودعا نتنياهو إلى إنهاء هذا الوضع واصفا إياه بـ”السخيف”، حسب وصفه.
ومن المعروف أنَّ مطلب نتنياهو لإنهاء عمل وكالة (أونروا) يتعارض أصلا مع عضوية (إسرائيل) في الأمم المتحدة، حين تم قبول عضويتها عام 1948، مشروطة بعدم الاعتراض على القرار 194 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مواطنهم الأصلية على أرض فلسطين، وهو القرار المرتبط بدوره باستمرار عمل الوكالة في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات (سوريا + الأردن + لبنان).
كما يعتبر مطلب نتنياهو بإنهاء عمل وكالة (أونروا)، تجاوزا لرغبة وإرادة المجتمع الدولي الذي يُجدد بشكل سنوي تفويضه للأونروا، رابطا مسألة إنهاء عمل وكالة الغوث (الأونروا) ووقف خدماتها بانتهاء السبب الذي أنشئت لأجله عام ١٩٤٩ وهو حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم، وتطبيق القرار الأممي الخاص بهم، الرقم 194.
وفي السياق ذاته، كانت القناة السّابعة التابعة للمستوطنين، قد نقلت عن تسيبي حوتوبيلي نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية، أنها خاطبت السفراء والدبلوماسيين الإسرائيليين بأن “يعمموا في لقاءاتهم السياسية التوجه القائل بأن عهد الأونروا قد انتهى للأبد”.
كما عبّر وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينت رئيس “البيت اليهودي” عن دعمه تهديد الولايات المتحدة بوقف تمويل وكالة الأونروا. وقال نفتالي بينت في بيان صدر عنه “إنَّ الأونروا منظمة تدعم الإرهاب، وإن مجرد وجودها يؤدي إلى إدامة الأوضاع المزرية لسكان غزة الذين يعانون تحت حكم حماس”، وأكد “أنَّ قرار الرئيس ترامب بوقف التمويل الأميركي هو الخيار الصحيح”.
ونُشير هنا، إلى أنه وفي إطار المفاوضات الفلسطينية مع الطرف الإسرائيلي في الفترات الماضية، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، سيلفان شالوم، في 7/11/2005، إلى نقل صلاحيات وكالة الأونروا إلى السلطة الفلسطينية. واعتبر الزعيم السابق لحزب ميرتس، يوسي بيلين، في 23/6/2008، في مداخلة له في معهد كارنيجي الأميركي “أنَّ حل الأونروا واستبدالها بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين هو الطريق الصحيح لمعالجة موضوع اللاجئين”. كما أطلقت دولة الاحتلال في أيلول/ سبتمبر 2012، حملة ديبلوماسية ودعائية بغرض إغلاق الوكالة بزعم أنها “عقبة أمام أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين”. وكذلك، كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” الصهيونية في شباط/ فبراير 2012 عن مساعٍ لإلغاء صفة لاجئ، بشكل قانوني، عن أبناء اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم إبان نكبة عام 1948.
وعليه، إنَّ الدفاع عن وجود واستمرار وكالة الأونروا عملًا بقرار قيامها عام 1949 قضية قومية ووطنية عربية بامتياز، فعمل الوكالة ينتهي بعد أن تستنفد أغراض وجودها وفق قرار قيامها، وذلك من خلال تنفيذ حق العودة للاجئي فلسطين إلى أرض وطنهم التاريخي، وهو ما يقتضي الآن دورا عربيا على كل المستويات الدولية من أجل استمرار الوكالة بتأدية رسالتها تجاه مجتمع لاجئي فلسطين.