رفح لم يغفر لها آلاف التضحيات التي قدمتها طوال السنين الماضية، فما زال جرحها ينزف دمًا وألم ولم يضمد، فالمشاهد المؤلمة التي شهدها العالم بأسره في الحروب الثلاث التي شُنت على قطاع غزة المحاصر منذُ اثني عشر عامًا، لم تحرك ساكنًا ولم تكن دافعًا لدعاة الإنسانية في صحوة ضمائرهم النائمة والعمل على تغير هذا الواقع الإنساني المؤلم، بوجود مرفق صحي يتناسب مع حجم التضحيات التي يقدمها المواطنون وما زالوا على ذات الطريق بمدينة صانعة الأحداث رفح.
فرفح لم تستطِع معالجة جراح أبنائها ولم تقدر أن تؤوي شهداءها بشكل كريم يليق بكرامتهم، فخلال الحروب والاجتياحات وضعت جثث شهداء المدينة في ثلاجات الزراعة والخضار، فالمرفق الطبي الموجود داخل أروقة المدينة الذي أطلقوا عليه اسم مستشفى أبو يوسف النجار يعاني نقصًا كبيرًا في إمكاناته الطبية ونقص في الخبرات ونقص كبير في التخصصات الطبية بالرغم من أن عدد سكان مدينة رفح تجاوز الربع مليون نسمة.
يتغنون بتضحيات وصمود رفح ليل نهار، فيأتون يقولون شعرًا ويمدحون بأهلها ويسمعُون لمطلبهم الإنساني "رفح بحاجة لمستشفى"، وما إن يخرجوا منها كأنهم لم يسمعوا بها من قبل، وكأنهُ رسم على جبينها أن تُقدم دون أن تأخذ، فهل غرهم صمود أهلها وصبرهم، أم كبُر على الساسة والمسؤولين والقيادة صبرها.
أدخلوها في موسوعة غينيس كأسوأ منطقة صحية في العالم، فالقانون الدولي ينص على أن يقابل كل 1000 نسمة 1.6% سرير في المستشفى وعدد سكان رفح المتجاوز لربع مليون نسمة لا تجد في المطلق عليها مستشفى سوى 60 سريرًا، أنه لكل 156 ألف نسمة سرير واحد فقط، فرفح أصبحت في الطبقة الرابعة صحيًا لهذا العالم بتخاذل المسؤولين الذين سطروا كارثة حقيقة لم تحصل على مدار التاريخ مثلها.
أطلق سكان مدينة رفح بكلّ فئاتها مئات المناشدات للعمل على تلبية حقهم الإنساني الأساسي في تشيد مجمع طبي يعيل أبناء المدينة ويضمد جرحهم النازف وينهي معانتهم الصحية القائمة.
بات الآن المشهد على أرض الواقع داخل أزقة البوابة الجنوبية للقطاع أكثر تعقيدًا نتيجة التهميش المستمر الذي فاق كلّ الخطوط الحمراء تجاه مطلبهم الذين نادوا به منذُ 14 عامًا، فشكل القائمون على حملة "رفح بحاجة لمستشفى" لجنة تتحدث باسمهم، ثم عقدوا الاجتماعات مع كافة الأطراف وقرروا أن يصل صوتهم إلى كافة الأطراف محذرين من تداعيات الحراك الشعبي المنتظر في الأول من شهر أغسطس القادم بعنوان "رفح بحاجة لمستشفى".
أصبحت قضية بناء مستشفى يليق بالتضحيات التي قدمتها رفح الشغل الشاغل لأبناء المدينة خوفًا من حدوث كارثة جديدة تصطف بجانب الكوارث التي عصفت بالجانب الصحي لها، فإعلاميون ونشطاء مدينة رفح اجتمعوا للتحضير لأكبر حراك شعبي شبابي من أجل الوصول إلى هدفهم العادل ومطلبهم الإنساني، فجولات متواصلة نفذوها مع قيادات العمل الوطني والتنظيمي لوضع الجميع في صورة الترتيبات والتحضيرات للحراك.
وأمام صرخة الأطفال والمسنين والنساء التي علت في الحروب وحملات التصعيد الإسرائيلي التي شهدها القطاع، كانت مدينة رفح تنزف الدمَ والدموع دون أن يُوقف ذلك النزيف، لتبقى مدينة رفح المهمشة بحاجة حقيقة لمستشفى يليق بها.
فهل سيلقى ذاك الحراك آذانًا صاغية من الجهات المانحة والمسؤولين؟