مسيرات العودة الكبرى التي انطلقت منذُ أكثر من 110 أيام، أعادت الروح الكفاحية للفلسطينيين وعززت مكانة القضية الفلسطينية وحافظت على الحقوق الوطنية في الذاكرة الدولية، تزامناً مع تسوية يجري فرضها على الفلسطينيين لا تتوافق مع الحقوق الوطنية وفي ظل وجود مقاومة عسكرية مشروعة قد لا يستطيع شعبنا تحمل كلفتها حالياً.
أخرج الغزيون معجزة مسيرات العودة الكبرى من رحم المعاناة والأوضاع الصعبة التي يعيش بين ظلالها السكان في القطاع، انقسام سياسي بين شطري الوطن، عقوبات جماعية، حصار منذُ اثنا عشر عاماً، لتعظيم الكفاح الشعبي والسياسي ضد الاحتلال الإسرائيلي، في ذات الوقت مع محاولات التصفية وفي ظل ما يسمى بـ"صفقة القرن"، الذي يسعى مصمموها إلى تصفية القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال بتنفيذ أمريكي إسرائيلي وبمباركة عربية إقليمية.
فمنذُ أن انطلقت هذه المسيرات أكد رئيس المكتب السياسي لحماس بغزة يحيى السنوار، أن هذه المسيرات تحميها المقاومة، في تصريح له لقناة الأقصى "المقاومة ستستخدم من الأدوات ما يناسب كل مرحلة، وأن مسيرات العودة وكسر الحصار، هي وسيلة ناجحة في هذه المرحلة"، مضيفًا: "حين نختار المقاومة الشعبية السلمية، لا يعني ذلك أننا تخلينا عن المقاومة المسلحة التي قد نلجأ إليها في كل وقت وأن المقاومة تحمي ظهر الثوار الذين هبوا إلى هذا الحراك".
فالفصائل الفلسطينية كان لها موقف صارم جراء ما يحدث من انتهاكات صهيونية خلال مسيرات العودة، فحركة حماس على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم، قالت: على الاحتلال أن يتحمل النتائج والعواقب، فتصرف المقاومة إزاء هذا الاستهداف والتصعيد محكوم بالحق في الدفاع عن شعبنا، والواجب الوطني في حماية مصالحه، وترسيخ معادلة الردع المبنية على أساس القصف بالقصف والقنص بالقنص، وهي جاهزة وقادرة وماضية في فرض هذه المعادلة وتثبيتها مهما بلغت التضحيات، وحركة الجهاد في بيان لها، قالت: إن ما يجري من عدوان سينكسر وستفشل أهدافه أمام صمود شعبنا ووحدته، وإننا نؤكد على حقنا في الدفاع عن أنفسنا والرد على العدوان الإرهابي، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية جميل مزهر قال: "المقاومة أكثر خبرة وتطورًا وقادرة على رد الصاع صاعين".
المقاومة بقطاع غزة استطاعت من جديد أن تفرض معادلتها على الاحتلال بالرغم من وجود فرق شاسع بين ميزان القوى بينهما، فما إن يقوم طيران الاحتلال باستهداف أهداف في قطاع غزة، تجد صفارات الإنذار تدوي بعد عدة دقائق من الاستهداف، وفق معادلة "القصف بالقصف" حيث نشرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس عبر موقعها الإلكتروني عنوان للمرحلة المقبلة والقائمة "القصف بالقصف والعمق مداها".
تقوم قيادة المقاومة وفي ظل وجود غرفة عمليات مشتركة بينهما بحسابات دقيقة للمشهد الفلسطينية المتوتر لحظة بلحظة بعيداً على العواطف، وبدراسة المواجهات التكتيكة التي ممكن أن تحصل بأي وقت بشأن هجوم مفاجئ من المقاومة على الاحتلال لتحقيق ضربة استباقية موجعة للعدو الذي يمارس الهمجية الممنهجة منذُ عام 1948م، في ظل عدم الانجرار إلى حرب موسعة مع العدو.
الاحتلال استهدف طفلين يوم السبت 14/ 7، أدى إلى استشهادهما على الفور، ومن ثم قام باستهداف عدد من مواقع المقاومة والبنية التحتية لهم، وتمادى أكثر إلى أن قام باستهداف نقطة للضبط الميداني شرق محافظة رفح يوم الخميس 19/7، أدى ذلك لاستشهاد الشاب عبد الكريم رضوان (22 عاماً)، إضافة إلى عدد من الإصابات، فخرجت المقاومة عن صمتها وبرهنت أقوالها بالأفعال فقامت بقنص ضابط صهيوني على الحدود الشرقية للقطاع يوم الجمعة 20/7، أردته قتيلاً على الفور، فجاء رد الاحتلال وتهديده فقام طيرانه باستهداف مراصد للمقاومة من بيت حانون شمالاً حتى رفح جنوباً ومواقع عسكرية وأراضي خالية في محاولة منه ليعد هيبته المكسورة وتحقيق الرد لدى المقاومة التي بات بالفشل.
بعد رد المقاومة المُوجع بقنص الضابط الذي اعتبره وزير الجيش الإسرائيلي تجاوز لكل الخطوط الحمراء ونقطة مفصلية في تاريخ الصراع مع الفلسطينيين، ارتفعت ثقة الشعب الفلسطيني بالمقاومة.
فأقل من 24 ساعة في حسابات المقاومة الفلسطينية استطاعت ترسيخ وفرض معادلة جديدة عنوانها "الدم بالدم" في معادلات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.