فلسطين أون لاين

​محمد بدوان.. مشارك في مسيرة العودة من البداية حتى الشهادة

...
مواطنون يشيعون جثمان الشهيد محمد بدوان بغزة أمس (الأناضول)
غزة - نبيل سنونو

منذ أن انطلقت مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية، في 30 مارس/آذار الماضي كان الشاب الغزي محمد بدوان، يشارك في فعالياتها، جنبا إلى جنب مع عشرات آلاف النساء والشيوخ والأطفال والشباب والرجال، مع كونه أعزل، في مواجهة الجدران المحصنة، وقوات الاحتلال المدججة بالسلاح شرق غزة.

بدوان، الذي لم يتجاوز "24 عاما" من عمره، تحمل ملامحه لون قمح فلسطين، وترتسم عليها خارطة كفاحه كشاب يعيش في قطاع غزة، الذي تحاصره (إسرائيل) بشكل مشدد، منذ 12 سنة.

أول من أمس، كان هذا الشاب برفقة مشاركين آخرين في مسيرة العودة شرق المدينة، وقد كان هدفًا لقناصة جنود الاحتلال الإسرائيلي، المتمترسين خلف السياج الفاصل بين القطاع، والأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948.

وتقدم والد الشهيد "أبو العبد"، جموع الناس بينما كانوا يستعدون لأداء صلاتي الظهر والجنازة، في المسجد العمري الكبير وسط غزة، في مشهد مهيب يحظى به الشهداء، قائلا لصحيفة "فلسطين"، إن ابنه محمد يشارك في مسيرة العودة من بدايتها، ليوصل رسالة مفادها أن هذا الوطن هو حق للفلسطينيين، وأن هذه أرضهم، ولابد من تنظيم مسيرات لاستردادها من الاحتلال.

ووصف قتل جنود الاحتلال لابنه، بأنه جريمة نكراء، مطالبًا العالم بالتحقيق بهذه الجرائم، لأن مسيرة العودة سلمية، ولا تشكل ضررا للجنود المدججين بالسلاح، حتى يقتلوا الأبرياء.

ودحض ادعاءات قادة الاحتلال بأنهم يستهدفون مثيري ما يسمونها "أعمال شغب عنيفة"، إذ قال "أبو العبد": "هذا ادعاء باطل، ابني لم يكن بيده شيء، وهناك صورة في الإنترنت تظهر أنه بمجرد صعوده على مكعب من الباطون باغتته طلقة وارتمى".

وقدّر المسافة التي كانت تفصل ابنه عن السياج الفاصل، عندما قنصه جنود الاحتلال، بنحو 100 متر، أي أنه لم يكن يشكل أي خطر على جنود الاحتلال.

وقد كان هذا الشاب الذي عمل في التجارة وتنقل بين فروع مختلفة فيها، يطمح إلى أن يصبح "شيئا كبيرا"، كما يصف أبوه، وتمتع بانتماء عال للوطن.

من هذا الانتماء نبع حرصه على المشاركة الدائمة في المسيرة، غير آبه بسلاح جنود الاحتلال الفتاك، قائلا في كل مرة: "اللي كاتبه ربنا بيصير".

وسيفتقد والد محمد، مرحه، وعلاقته المتينة معه، ومصارحته الدائمة له بكل ما يدور من حوله، وصدقه الذي عهده عليه، كما سيفتقده إخوته الأربعة، وأخته.

رسالة

ولجنازة الشهداء في غزة هيبة تتجلى في كل خطواتها، ومن ذلك مشهد وداع الشهيد الذي لفه علم فلسطين، وبدا كإنسان ممدد لم يمسه الموت بعد، فوجهه يكاد يتبسم، وعيناه كأنما يرى فيهما، وفمه كأنما كان على وشك أن ينطق.

التف الجمع من حوله ليلقوا عليه نظرة الوداع، أو ليلقي هو عليهم هذه النظرة، قبل أن تقام الصلاة على جثمانه، ويوارى الثرى.

حرص أخوه إبراهيم، في الجامع المزدحم بالمصلين، على أن يقف عند رأسه ويقرأ ما تيسر من القرآن الكريم.

وبحسب إبراهيم، كان محمد مكافحا في الحياة، ولا يتخلف عن المشاركة أيضًا في مسيرة العودة السلمية شرق غزة.

وكسائر الشبان الفلسطينيين، تأثر محمد- الذي لم يكن قد تزوج بعد- بظروف الاحتلال والحصار، وعاش فصول المعاناة بسببهما.

وفي المرة الأخيرة التي شارك فيها بالمسيرة، التقط صورة مع علم تركيا- والكلام لا يزال لإبراهيم- وكان يتمنى أن يراه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقد تقدم صفوف المشاركين في المسيرة.

وفسّر شقيقه ذلك، بأن الأخير كان يرى أن لأردوغان دورا في منع تصفية القضية الفلسطينية، كما أنه تمنى لو تمكن من زيارة تركيا التي أحبها.

والرسالة الأكيدة للشهيد محمد، من المشاركة الدائمة في مسيرة العودة، هي أن يقول للعالم: "نحن موجودون هنا (في أرضنا فلسطين)"، ورغم أنه رحل جسدا، فإن هذه الرسالة والشهادة تشكل –بلا شك- إلهاما للشباب، لمواصلة الطريق.