لم يكن الخان الأحمر أول معلم تاريخي فلسطيني يهوّد من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فمنذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وضع الاحتلال في صلب أجندته سرقة وتزوير التاريخ والمعالم الأثرية التي تنتشر على نطاق واسع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك بعد أن استكمل السيطرة التامة على الأرض وصادر الثروات الطبيعية التي تشتهر بها بلادنا.
فكان تزييف التاريخ غاية، والسيطرة على المناطق الأثرية وبخاصة المقدسات الإسلامية منها والمسيحية وسيلة سعى عبرها الاحتلال لخداع الرأي العام العالمي وإقناعهم بالأكاذيب، التي يروجون لها حول علاقتهم التاريخية بفلسطين وأنهم شعب الله المختار.
ولذلك سخرت حكومات الاحتلال المتعاقبة ميزانيات ضخمة لتنفيذ هذا المخطط، وابتكر الاحتلال عدة طرق ووسائل لتحقيق تلك الغايات، فما يتم الآن من تغيير في معالم المدينة المقدسة، ومن تغيير لنقوش الحجارة القديمة تحت حجج ترميمها وتغيير الأبواب والمرافق العامة، لهو خير دليل على ذلك، فقد ابتكر الاحتلال الإسرائيلي عدة طرق ووسائل في عمليات سرقة وتزييف التاريخ وطمس الهوية العربية الفلسطينية، فقد عمل على جعل معظم المناطق الأثرية والمقامات الدينية ضمن المناطق المصنفة جـ حسب اتفاق أوسلو عام 1993، وهذا يعني ضمنيا أن الاحتلال اخضع الغالبية العظمى من المناطق الأثرية التي تشتهر بها بلادنا تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وفي نفس الوقت لا تمتلك أي جهة فلسطينية مختصة أي سيادة على تلك المناطق، وهذا بدوره منح الاحتلال حق التصرف في تلك المناطق، وتغيير معالمها وأسمائها بما يتماشى مع معتقداتهم ورغباتهم، فعلى سبيل المثال عمل الاحتلال على تهويد قبر النبي يوسف عليه السلام في مدينة نابلس، وكذلك الحال في المقامات الدينية مثل ذو الكفل وياشوع وذو النون في بلدة كفل حارس في محافظة سلفيت،بالإضافة إلى آثار بلدة سبسطية، المدينة السامرية القديمة والتي تعتبر جميعها في نظر الاحتلال من المقدسات اليهودية ودير أبو سمعان شمال غرب بلدة كفر الديك وبالقرب من مستوطنة علي زهاف، حيث يقوم الاحتلال اليوم بإجراء حفريات واسعة النطاق هناك بحجة التوسيع، بحيث طالت عملية التجريف سرقة معظم الآثار الرومانية هناك من منطقة دير أبو سمعان، وجاء الدور على الخان الأحمر ذلك المعلم التاريخي الفلسطيني الراسخ في مدينة القدس لاستكمال تهويد المدينة من داخلها وخارجها.
أرض الخان الأحمر تعني آلاف الدونمات وتصل بين مستوطنتين أقيمتا على أرضنا، وهم يريدونها للتوسع الاستيطاني والربط بين هذه المستوطنات وضواحي القدس وذلك لتعميق الانقسام بين شمال وجنوب الضفة، وتعميق مخططات تهويد المدينة وتقليص عدد السكان الفلسطينيين فيها بزيادة أعداد اليهود من المستوطنين.
قصة الخان الاحمر قصة قديمة طريفة من الناحيتين التاريخية والحضارية والانسانية لأهل فلسطين وهو ما لا يعجب اليهود الصهاينة الذين يدبرون له الآن مكيدة الهدم والاخلاء بتهجير سكانه وسرقة احجاره ومعالمه القديمة لتوظيفها في تزوير التاريخ والحضارة، حيث بدأ العداء لهذا المكان التاريخي منذ القدم بقصة "السامري الصالح"، الذي وجد شخصاً من قومٍ من أعدائه، اعتدى عليه لصوص وعرّوه، وأوشك على الهلاك، ومرّ به أكثر من شخصٍ تركوه، ولكن هذا السامري (واليهود يكرهون السامريين تاريخياً) أنقذه وأعانه، وصارت القصة عن إكرام الغريب، وصارت من تراث العمل الطبي الخيري.
وقرب موقع "السامري الصالح" بني في الماضي، خان (فندق) سمي الخان الأحمر، يعتقد أنّه كان من الحجر الوردي، الذي يعرف بالحجر الأحمر، وتشتهر به منطقة القدس، وقد اختار المخرج الفلسطيني الشاب أحمد الضامن اسم "الحجر الأحمر" للحديث عن بيوت أهالي القدس الغربية، الذين شُردوا عام 1948، ويسكنها اليوم مستوطنون ويمنعون أهلها منها.
عندما طُرد المواطنون البدو من أراضيهم ومضاربهم في جنوب فلسطين عام 1948، جاء جزء منهم لمنطقة الخان الأحمر، عام 1953، وبينما منعوا من البناء بعد عام 1967، بنيت هناك مستوطنات عدة، منها معاليه أدوميم. ولصمود "عرب الجهالين" هناك، قصة طويلة. فمثلا بينما كان هناك قبل 10 أعوام في معاليه أدوميم 34 حضانة أطفال، يُمنَع "الجهالين" من بناء مدرسة، وعلى سبيل المثال، بنيت مدرستهم بطريقة مبتكرة من إطارات السيارات والطين، بمساعدة جمعية إيطالية، عام 2009 (ربما من دون احتلال ستكون المدرسة من الحجر الأحمر). وأشعلت هذه المدرسة غضب المستوطنين، في المنطقة. وتم تحريض الحكومة، وصدر قرار بهدم المدرسة، وكل القرية. وبالطبع وجودهم يحبط خطط بناء مستوطنة كبرى، تصل القدس بالبحر الميت وتمنع تواصل شمال الضفة الغربية بجنوبها، ما يقوض فكرة دولة فلسطينية.
لذا نعتبر قضية الخان الأحمر خطًّا أحمر ونعتبره عملا جبانا، فهو ليست مجرد مقاومة لمحاولة مصادرة مساحات واسعة من الأرض وترحيل السكان من البدو وهدم مدرستهم، وإنما المقصود بها هدم كل معالم التاريخ الفلسطيني وتهويدها عن بكرة أبيها.