أما آن لـ(إسرائيل) أن تفهم أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين وليس في القرن التاسع عشر؟ أما آن لـ(إسرائيل) أن تفهم أن زمن الوصاية العربية على الشعب الفلسطيني قد ولى وانتهى؟ أما آن لـ(إسرائيل) أن تفهم أن الجيل الفلسطيني اليوم ليس كجيل الأمس؟ أما آن لـ(إسرائيل) أن تفهم أن غرورها قد أسقط هيبتها؟ أما آن لـ(إسرائيل) أن تفهم أنه آن الأوان لتعيد تقييمها للتعامل مع الشعب الفلسطيني؟ وأن أسلوب القوة والهيمنة ما عاد يجدي مع أطفال فلسطين فكيف يجدي مع مقاومتها ورجالها؟ لا ننكر بأن (إسرائيل) ذكية وليس بأدل على ذلك أنها استطاعت أن تحول الجغرافيا المادية التي تحيط بها من نارية ملتهبة إلى ناعمة حميمة، واستطاعت أن تخترق الجغرافيا السياسية الإقليمية والعربية لتصبح عنصرًا فعالًا داخلها بعد أن بقيت لسنيين عديدة تُحارَب لتقدم وجبة شهية لسمك وقرش البحر، إلا أن غرورها ما زال يعمي بصيرتها ويصم آذانها ويشل تفكيرها، أما آن أن تقف (إسرائيل) مع نفسها وقفة تقييم -وهي المشهورة بتقييم خطواتها واتخاذ العبر- لتقييم سياستها مع الشعب الفلسطيني عامة وغزة بصورة خاصة؟ ألم تسأل (إسرائيل) نفسها: لماذا انتفض الشعب الفلسطيني انتفاضته الأولى والثانية والثالثة والرابعة وما زال يجدد انتفاضاته المرة تلو المرة؟ أما آن لـ(إسرائيل) أن تسأل نفسها لماذا لم يسقط الشعب الفلسطيني؟ لماذا لم تسقط غزة رغم الحصار الكوني المعاصر لأكثر من 12 سنة؟
الجواب واضح أن غرور (إسرائيل) ما زال يخدعها ولا ترى إلا نفسها، وما حققته وتحققه أيديها الخفية في الحلبة الدولية فهي من تحدد من يدخل البيت الأبيض، وهي من تقف بوجه من يحاول أن يمتلك السلاح النووي ولو حتى سلميا، وهي من تآمرت على ثورات الشعوب العربية فأجهضتها وأعادت رجالها ليستولوا على زمام الحكم من جديد فيها، وهي من تمتلك أهم الوسائل الإعلامية في العالم فلا يسمع العالم إلا صوتها ولا يقرأ إلا روايتها، أما الاقتصاد والاجتماع والسياسة فحدث عن (إسرائيل) ولا حرج، أنها كذبت الكذبة "شعب الله المختار" وصدقتها، لذلك أصبحت فرعون هذا الزمان "ما أريكم إلا ما أرى" و"أنا ربكم الأعلى".
لا تريد (إسرائيل) أن تتعظ من الماضي ففرعون مات وأغرقه غروره وحماقته في اليم، والإمبراطوريات العظمى التي حكمت قرون طواها الزمان وأصبحت نسيا منسيا، كم حكم حكامها الطواغيت؟ وكم قتلوا من البشر؟ وكم نهبوا من خيرات البشر من الذهب والفضة؟ كم اغتصبوا من أراض ليست ملكهم واحتلوها سنيين ثم خرجوا مهزومين منكسي الرؤوس يجرون أذيال الهزيمة، الشواهد التاريخية لتلك الإمبراطوريات القديمة والحديثة والمعاصرة كثيرة بل شاخصة أمام (إسرائيل) التي تراها رأي العين كيف انحسرت وانكمشت وأصبحت تابعة بعد أن كانت سيدة تأمر وتنهى.
لقد تعالت أصوات المفكرين والمثقفين والكتاب الأجانب والإسرائيليين الناصحة للحكومات الصهيونية أن زمن الرق والعبيد والسخرة أصبح في الماضي، فمنهم من نصحها محذرها من الاندثار مثل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق واليهودي الأصل ومهندس اتفاقية كامب ديفيد 1978حين صرح بتصريح صحفي نقلته عنه صحيفة النيويورك بوست "إنّه بعد عشر سنوات لن تكون هناك (إسرائيل)"، حيث تؤكد المحررة في الصحيفة المذكورة سيندي آدمز، أن كيسنجر قال لها بنفسه هذه الجملة ونصها حرفيًا: (In 10 years, there will be no more Israeal), وبالتالي فإن (إسرائيل) لن تكون موجودة على الخارطة الدولية بناء على "نبوءة كيسنجر" في عام 2022م، ومنهم من حذرها من المستقبل كرئيس جهاز الموساد السابق (مائير داغان) عندما قال لصحيفة (جيروزلم بوست) 2012: "نحن على شفا هاوية، ولا أريد أن أبالغ وأقول كارثة، لكننا نواجه تكهنات سيئة لما سيحدث في المستقبل، ومنهم من أعطى الحق للشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه ومقارعة (إسرائيل) كالصحفي جدعون ليفي الذي كتب مقالًا في صحيفة "هآرتس" بعنوان: "غزة على حق وستبقى تقاتل وحصارها أكبر جريمة في التاريخ".
لذلك على (إسرائيل) أن تحد من غرورها وتنظر للواقع بنظرة موضوعية فتعيد تقييم صراعها مع الفلسطينيين وتفكر جيدًا بأنه آن الأوان أن يعيش الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة ينعم بحدودها السياسية ومواردها الطبيعية ومنافذها الدولية.