عندما يتابع عبد الرحمن نوفل، مباريات كأس العالم المنعقد هذا العام في روسيا، يتذكَّر جيدًا حلمه بأن يكون أحد لاعبي الساحرة المستديرة؛ المشهورين عالميًا.
لكن هذا الحلم لن يتحقق بالنسبة للطفل البالغ (12 عامًا) بعد أن أصابه قناص إسرائيلي برصاصة ذهبت بساقه وجعلته حبيس أسرّة العلاج.
لقد كان شغوفًا بالكرة ويتقن لعبها بطريقة أبهرت من رآه، ولذلك تمنى أن يصبح واحدًا من أبطال الساحرة الكروية.
إلا أن واقع حياته تبدل إلى عكس ما كان يريده تمامًا.
وكان عبد الرحمن قرر لعب كرة القدم قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة سنة 1948، ولم يكن يعلم أن رصاصة القناص ستغير مجرى حياته بلمح البصر.
"كان يتمنى أن يصبح لاعبًا كبيرًا، لكن.."، يقول يامن نوفل، والد الطفل الجريح، بتنهيدة قطعت كلامه ودلت على ألم يعتصر بدنه.
ويتساءل الأب المكلوم، عن الذنب الذي ارتكبه نجله حتى تطلق قناصة الاحتلال رصاص متفجر على ساقه.
ويطل جنود الاحتلال المتمركزين خلف السياج الفاصل، من وراء تلال رملية عالية بأسلحة قناصة يرصدون من خلالها كل صغيرة وكبيرة هناك.
ومساء يوم الثلاثاء الموافق 17 أبريل/ نيسان الماضي، غادر عبد الرحمن منزله الكائن في بلدة النصيرات، وسط قطاع غزة، بعد أن أبلغ والدته أنه ذاهب للعب كرة القدم مع أصدقائه.
ومع حلول الساعة الخامسة من مساء ذلك اليوم، كان الطفل الذي ينحدر من بلدة حليقات الواقعة في الداخل المحتل سنة 48، قد وصل إلى نقطة تجمع مسيرات العودة شرق مخيم البريج.
وهناك أراد التعبير عن تمسكه بحق العودة على طريقته الخاصة.
لقد غمرته الفرحة حينما كان يلعب كرة القدم قرب السياج وأصدقاءه، وازداد اطمئنانهم لأن ذلك اليوم لم يشهد أحداثًا ميدانية كما كان يجري في كل يوم جمعة منذ 30 مارس/ آذار، حيث انطلقت مسيرات العودة.
وصادف هذا اليوم، ذكرى يوم الأرض، الذي يحيه الفلسطينيون للعام الـ42 على التوالي.
وخلال هذا العام، أحيت غزة الذكرى بأسلوب جديد، عبر مسيرات العودة في 5 نقاط تجمع في شرق غزة.
إلا أن جنود الاحتلال استخدموا قوة مميتة في قمع المتظاهرين المشاركين فيها، ما أوقع أكثر من 130 شهيدًا، وآلاف المصابين بجروح متفاوتة.
واستخدم الجنود لقمع المشاركين في المسيرات؛ الرصاص المتفجر والفراشة، المحرم دوليًا، بحسب حقوقيين.
وعبد الرحمن، من ضحايا الرصاص المتفجر.
ويقول والده: عندما كان يلعب، رمى أحد أصدقائه الكرة بعيدًا، فذهب لإحضارها، وعندما عاد بالكرة أطلق قناص إسرائيلي الرصاص وأصابه في ساقه.
وعلى إثر إصابته، نقل عاجلاً إلى مستشفى شهداء الأقصى، قبل تحويله إلى مستشفى الشفاء، لخطورة حالته الصحية.
وأخبرهم الأطباء هناك بما سببته الرصاصة من تهتك في الأوردة والشرايين، ونقص في العظم 15 سنتيمتر من الساق اليسرى.
وعندما وصل إلى أكبر مستشفيات قطاع غزة، أدخل غرفة العمليات في محاولة لوقف نزيف الدم، قبل البدء بإجراءات التحويلة إلى المستشفى الاستشاري في مدينة رام الله.
"في اليوم التالي، أبلغنا برفض سلطات الاحتلال قطعًا بعبور عبد الرحمن من خلال حاجز بيت حانون (إيرز)، وكانت حالته في غاية الخطورة"، يقول والد الطفل.
لكن بعد مناشدات تقرر سفره مساء يوم الأربعاء 18 أبريل، وقد وصل رام الله بحالة صحية متردية على إثر تسمم جسده من الرصاصة التي أصابته، حتى وصل التسمم إلى الرئتين، وانخفاض نسبة الدماء إلى 4.
وفي اليوم التالي؛ قرر أطباء المستشفى الاستشاري بتر ساقه.
وانتهت مرحلة العلاج الأولى بعد 25 يومًا من تواجده في المستشفى الاستشاري، قبل أن يعود إلى غزة في 8 مايو/ أيار الماضي، على أن يعود لاحقًا إلى المستشفى الاستشاري للمراجعة والاطمئنان على حالته واستكمال العلاج الطبيعي وتهيئة ساقه لتركيب طرف صناعي.
لكن مجددًا ترفض سلطات الاحتلال سفره إلى المستشفى رغم امتلاك الطفل الجريح الأوراق الرسمية التي تثبت حاجته الماسة للعلاج خارج قطاع غزة.
ويقول والده، إن سلطات الاحتلال تبرر رفضها بأن الجريح بترت ساقه في رام الله، فلماذا إذًا يريد العودة إلى هناك؟
ويبدو الأب قلقًا على مستقبل نجله، فلم يبق أمامه سوى شهرين وتنتهي الإجازة الصيفية، وتستأنف المدارس عملها. ويتساءل: هل سيعود للدراسة بساقٍ واحدة؟
وتؤمن عائلة الطفل أن ما أصبح عليه حال ابنها، ليس الأول ولن يكون الأخير لطالما بقي الاحتلال على أرض فلسطين، لكنها في غاية الحزن والقلق من أي مضاعفات صحية تطرأ على حالته.
وتناشد العائلة لتمكين طفلها من السفر إلى الضفة لإكمال علاجه، وتركيب طرف صناعي.
وتقول جهات حقوقية: إن سلطات الاحتلال تستخدم حاجز "إيرز" وسيلة للتنغيص على مرضى غزة وابتزازهم، ووصل الأمر إلى اعتقال عدد منهم والزج بهم خلف قضبان السجون.
ويطل من عيون عبد الرحمن مزيج من الألم الحسرة بعد أن بات الطرف الصناعي أمرًا حتميًا، فرضه جنود الاحتلال.
ويقول لوالديه دائمًا: إن "حلمي أن أصبح لاعبًا لن يتحقق، لذلك سأسعى بقوة لأكون صحفيًا أوثق ما يرتكبه جيش الاحتلال من جرائم بحقنا".