فلسطين أون لاين

​لماذا يولد الطفل مُبدِعًا بنسبة 90% فيتراجع إلى 10%؟

...
غزة-الرياض/ حنان مطير:

هل يُولَد الأطفال مبدعين وعباقرة بالفطرة؟ إنه سؤال غريب بنظر الأهالي الذين لا يلقون بالًا للتربية ويتركون الظروف والمواقف هي المُربي الأساس لأطفالهم.

حقًّا إن الأطفال يولدون كذلك، فقد أثبتت الأبحاث أن الأطفال منذ سنّ العام وحتى الخمسة أعوام يكونون مبدعين بالفطرة، فيصل إبداعهم في تلك السنوات إلى 90%، ثم تقلّ تلك النسبة ما بين السادسة والسابعة لتصل إلى 20%، وتقلّ لتصل 10% مع بداية الدخول للمدرسة.

يخبرنا بتلك المعلومات من مدينة الرياض الدكتور شهدي رجب الكاتب والمفكّر في بناء شخصية الطفل مؤكدًا لفلسطين أن "الأهل والمدرسة للأسف هما أول من يقتل الإبداع لدى الأطفال".

وأوضح أنّ العبقرية مملكةٌ واسعة، لن يَعبر الطفل إليها إلا باستقلال ثلاثة مراكب، فمن لم يدفع طفله بهدوءٍ لاستقلال تلك المراكب قضى على عبقرية طفلِه شيئًا فشيئًا -وفق قوله-.

وعن تلك المراكب يبينها د. شهدي في التالي:

أولًا/ الفضول والاكتشاف:

فالطفل يحب الاطّلاع على كل شيء وينجذب للسؤال عن أيّ شيء، فمن يقفل هذا الباب على طفله قتل فيه جزءًا من الإبداع، لذلك على المربِّي من الأم والأب أو غيرهما أن يتركه يسأل، فالردّ على أسئلته بإجابات منطقية استراتيجية يبني حجرًا أساسًا في جدار شخصيته للأبد.

ثانيًا/ الخيال:

فالعالم ألبرت أينشتاين أكّد أن الخيال أهمّ من المعرفة، ومن لا يترك ابنه يسبح ويغوص ويتوسّع في خياله فإنه يقضي على جزءٍ جديد من الإبداع والعبقرية الفطرية داخله.

فكيف إذًا نجعله يسبح في خياله؟ إن ذلك يتحقّق من خلال شيئين:

  • اللعب والرسم: فتجد الطفل يهرول لذلك لأنه يجسد خياله عن طريق رسوماته البسيطة.
  • القصة: حيث يبدأ الطفل بسرد القصص والتي قد لا يكون لها علاقة بالواقع، وتلك القصص لن يقدر على سردها إلا إن كان والداه يُسمعانه القصص ذات القيمة، بل وكانت قصة قبل النوم أمرًا مقدّسًا في حياتهم، فإن تجاهل المُربّي قصة الطفل ولم يتفاعل معها قتل جزءًا جديدًا من الإبداع في داخله.

فإن جاء الطفل لأمه يعرض عليها رسمته البسيطة، فلم تبالِ بها أو أخبرته أنها مشغولة أو أنها رسمةٌ لا تشبه الشيء الحقيقي، فإنها تقضي على جزء آخر من الإبداع الفطريّ، والأصل أن تقوم الأمّ حينها بتقبيله مثلًا وتشجيعه مهما كانت مشغولة والانبهار بجمال رسمته رغم بساطتها، وتحفيزه بأنها سوف تريها لوالدِه كي يفتخر به وما إلى ذلك من كلمات ومواقف التحفيز والدعم.

ثالثًا/ الاستقلالية:

فالاستقلالية تعني أن يصل الطفل لمرحلةٍ يكون فيها قادرًا على التعبير والحديث دون أن يكون خائفًا من أحد، وهذا ما يفتقده الكثيرون اليوم من الشباب خاصة في المدارس والجامعات، حيث يكون الطالب ملمًّا بالإجابة عن سؤال ما لكنه غير قادرٍ على رفع يدِه وتقديم رأيه وإجابتِه.

ويذكر د. شهدي قصةً مرّت أمامه في أحد المحال التجارية لطفلةٍ تجسّدت فيها الصفات الثلاث، وكانت برفقة والدِها، وكلما مرّت بعبوةٍ أو غرضٍ من الأغراض المعروضة في المحلّ أمسكت به ونظرت إليه كم يتفقّده بعمق، وحين ذهب والدُها ليحاسب صاحب المحلّ تفاجأ صاحب المحل بأن "الكيلو الحديد" لقياس الوزن غير موجود، فراح ينادي على العامل كي يحضر لها "كيلو حديد" جديد، وإذ بالصغيرة تذهب لأحد أكياس السّكر الذي يزن كيلو واحد، وتأتي به وتسأل صاحب المحل: "عمو هل ينفع استخدام كيلو السكر هذا في قياس الوزن؟".

فتلك القصة مثال واضح على اجتماع الصفات الأساسية لعبور مملكة العبقرية في تلك الطفلة، إذ امتلكت حب الاستطلاع في النظر لكل عبوّة، دون أن يعنّفها والدها أو يطلب منها ترك الأمر، ثم التوسّع في الخيال والتجّول في التفكير الذي انتهى بها إلى الربط ما بين كيلو السكر وكيلو الحديد، ثم الاستقلالية في التعبير عن رأيها وطرح السؤال على صاحب المحلّ دون خجلٍ أو خوف، لتخرج بقرارٍ ذكيّ و"فكرة".

وبذلك فإن الأهل أولًا ثم المدرسة هم من يتحكّمون بذكاء اطفالهم وإبداعهم، فبات واجبًا على كل أب وأم أن يكونا قدر تلك الأمانة التي سيُسألان عنها يوم القيامة وفق ما يقول د. شهدي.