فلسطين أون لاين

​لا تقف عند إساءات الطفولة

...
غزة - مريم الشوبكي

بعض الآباء حين يريدون تأديب أبنائهم يلجؤون إلى تعنيفهم وشتمهم بأفظع الشتائم، بغية عدم تكرار الفعل منهم، ولكن هذا الأسلوب يترك أثرًا سلبيًّا على نفسية الطفل، فلا يمكن أن ينسى الموقف، مهما كبر، ولا يستطيع تجاوزه، بل يؤثر على سلوكه ومجريات حياته، وحينها يسيطر عليه الشعور بالغضب والرغبة في الانتقام.

فإساءات الطفولة تخزن في لا شعور الشخص، لذا يستحضرها، لما يمر بموقف مشابه يجدد الذكريات المؤلمة التي طبعت في شخصيته، فكيف السبيل إلى التخلص من أثر هذه الإساءات وتناسيها؟

القهر لا ينسى

بين اختصاصي الصحة النفسية إسماعيل أبو ركاب أن إساءات الطفولة تؤثر في نفسية الشخص منذ اكتمال الحواس للإنسان، أي منذ بداية مدة الرضاعة منذ ذلك الوقت يبدأ الطفل بتسجيل كل ما شاهده وكل ما شعر به من المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه.

وقال أبو ركاب لـ"فلسطين": "يقال في المثل: الزايد أخو الناقص، بمعنى كل سلوك يزيد عن حده الطبيعي يتحول إلى قهر، والقهر لا ينسى، وفي المقابل كل سلوك ينقص عن الطبيعي يتحول إلى تجاهل، والتجاهل لا ينسى".

ونبه إلى أن العقاب النفسي من توبيخ أمام الآخرين، واعتداء لفظي من أكثر الأشياء المدمرة لشخصية الطفل، يتلوه العقاب الجسدي الذي يشعر فيه الطفل بفقدان الإرادة، وينتهي بالقمع الاجتماعي، والمقصود فيه عدم القدرة علي الاختلاط بالآخرين أو إبداء الرأي.

ولفت اختصاصي الصحة النفسية إلى أن أغلب الإساءات التي يلقاها الأطفال _وخصوصًا في مرحلة الطفولة المبكرة_ تبقى مغروسة في اللاشعور، وتوثر سلبًا في كل مجريات حياة هذا الشخص في المستقبل، ولكن بُنية الشخصية عند بعض والخبرة الحياتية والتجربة ممكن أن تقلل من حدة تلك الآثار.

تدمر الشخصية

وبين أن الأثر الذي تتركه الإساءة على نفسية الشخص هو تدمير بُنية الشخصية، وشعور الفرد بالدونية وعدم الاتزان الانفعالي والعاطفي، فلذلك نجد دافع حب الانتقام من أفراد أو من المجتمع عند الذين لقوا إساءة واضحة من الآخرين، أيضًا الإساءة تقتل روح المبادرة والحافزية لدى الشخص، وتشعره دائمًا بالتقصير وعدم الأهلية.

ولفت أبو ركاب إلى أنه من الطبيعي لأي إنسان لقي إساءة _إذا وجد متنفسًا معينًا_ أن يعبر عنها لا شعوريًّا، ولا يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يحتفظوا بتلك المعاناة والإرث الثقيل منها إلى الأبد.

وقال اختصاصي الصحة النفسية: "الإنسان يحاول جاهدًا تناسي عقد الحياة من اضطهاد وإساءات، ولكنه ينجح مرة ويفشل عشرات المرات، ويظهر ذلك الفشل في حدة السلوك من عدوانية وتهجم على الآخرين، ومن تقلب للمزاج، ودخول في حالات اكتئاب".