لا يعلم عشرات الصحفيين في غزة إن كانوا سيعودون سالمين أم لا من رصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يتعمد استهدافهم خلال التغطية الإعلامية لفعاليات مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار المتواصلة قرب السياج الفاصل شرق قطاع غزة منذ نهاية مارس/ آذار المنصرم.
ويقول مراسل قسم الإعلام الرقمي لقناة القدس الفضائية في غزة أسعد البيروتي: إنه في كل مرة يخرج لتغطية أحداث مسيرة العودة يودع زوجته وأهله، ويقبل جبين ابنه، ويطلب رضا والدته.
ويضيف البيروتي لصحيفة "فلسطين": اليوم الذي أذهب فيه للمشاركة في التغطية الإعلامية للمسيرات، شرق غزة، دائمًا أعتبره آخر أيام حياتي، فرصاص جنود الاحتلال يصيب كل شيء، ولا يفرق بين أحد، مشيراً إلى أن كل طلقة يسمعها، يدرك بشدة أنها قد تكون موجهة إليه.
وقتل جنود الاحتلال منذ انطلاق مسيرة العودة صحفييْن اثنين، وأصاب العشرات بالرصاص الحي والمتفجر أثناء عملهم في تغطية جرائمهم ضد المتظاهرين السلميين.
واستشهد إثر استخدام جنود الاحتلال القوة المميتة ضد المتظاهرين السلميين، أكثر من 127 مواطناً بينهم نساء وأطفال، وأصيب ما يزيد على 14700 آخرين.
ويرى البيروتي، أن الواجب المهني والوطني والأخلاقي يحتم على كل صحفي يدافع عن حقوق شعبه المسلوبة، المشاركة في التغطية الإعلامية للمسيرة.
ولفت إلى أن جيش الاحتلال يطلق نيران أسلحته بشكل مباشر تجاه الصحفيين، ويستهدفهم بالرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع والسام، لإجبارهم على مغادرة المكان وعدم نقل الحقيقة.
وتابع مراسل قسم الإعلام الرقمي لقناة القدس الفضائية بغزة: الاحتلال لا يعير أي اهتمام للاتفاقيات الدولية أو تلك الخاصة بحقوق الإنسان.
وأكمل "لا تخلو التغطيات الصحفية من الإصابات بالرصاص أو الغاز في كل جمعة، نحاول تنبيه الصحفيين بأخذ الحيطة والحذر، لكننا مستمرون حتى لو كلف الأمر أرواحنا من أجل إيصال الحقيقة للعالم".
تغطية فريدة
فيما يقول مراسل فضائية "الميادين" بغزة أحمد شلدان: إن مسيرة العودة شكلت نوعًا جديدًا من التغطية الصحفية على المستوى المهني، بعد أن اعتاد الصحفيون على نوع تغطية معين من قصف أو حروب أو اغتيالات.
وأضاف شلدان لـ"فلسطين"، أن "هذه التجربة أضافت إلينا الكثير، وجمعت ما بين استحضار العوامل المهنية والوطنية في آن واحد".
وعلى الصحفيين _ كما يقول شلدان_ الانطلاق من هذا الإطار نحو كشف جرائم الاحتلال ونقل الصورة للعالم أجمع، وفي نفس الوقت التعامل مع ظروف غاية في الصعوبة تشمل التعامل مع الوضع الميداني الصعب "غاز ورصاص ودخان"، وكذلك التعامل مع الخطر الشديد المحدق بحياتك كصحفي، والعمل أيضًا على إظهار هذه الصورة بكل مهنية وروح وطنية من خلال انتقاء الألفاظ المناسبة.
وفيما يتعلق باستهداف الصحفيين، أكد أن "هذا الأمر ليس بالجديد وتعاملنا معه سابقًا بحكم الانتهاكات المستمرة بحق الصحفيين"، وهو ما يشكل تحديًا أمام الصحفيين خاصة بعد استشهاد الصحفيين ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، ولذلك أصبحت إجراءات السلامة المهنية أكثر أهمية والتعامل على أنك مستهدف بشكل واضح.
ونبَّه إلى ضرورة العمل في نفس الوقت على نقل الصوت والصورة إلى العالم، مضيفًا "استهداف الصحفيين وإن شكل ضغطًا واضحًا إلا أنه أعطانا دافعا أكبر نحو الاستمرار".
استهدافهم جريمة
بدوره، قال عضو اللجنة القانونية والتواصل الدولي للهيئة الوطنية العُليا لمسيرة العودة، صلاح عبد العاطي: إن "استهداف الصحفيين جريمة ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، وتشكل انتهاكا جسيما لكل معايير حقوق الإنسان".
وذكَّر عبد العاطي في تصريح لـ"فلسطين"، بأن الصحفيين محميون بموجب قواعد القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني.
وأضاف أن أحكام اتفاقية جنيف كفلت حماية هؤلاء الصحفيين، وكذلك المعايير والمواثيق الدولية تعد استهداف الصحفيين جريمة تستحق المساءلة والمحاسبة.
وأكد أن جيش الاحتلال منذ بدء مسيرة العودة، استخدم القوة المفرطة ما أدى إلى استشهاد صحفيين، وإصابة أكثر من 157 آخرين، بينهم جزء كبير بالرصاص الحي.
وشدد الحقوقي عبد العاطي على أن الهدف من ذلك هو "ثني الصحفيين عن القيام بواجبهم في تغطية الانتهاكات ونقل الحقيقة للمجتمع الدولي".
وقال: "نتابع انتهاكات الاحتلال بحق الصحفيين مع المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، بالتزامن مع جهود تبذلها لجنة تقصي الحقائق الدولية التي تم تشكيلها أمميًا، والتي ستحقق في استهداف الصحفيين والانتهاكات التي ارتكبت بحقهم".
وأضاف "خاطبنا الاتحاد الدولي للصحفيين، والاتحاد العام للصحفيين العرب، وهناك حملة واسعة للتضامن مع الصحفيين والمدنيين الفلسطينيين لإدانة استهداف الصحفيين دوليًا، لكن هذا الأمر يتطلب المزيد من الجهد خاصة في ظل فشل مجلس الأمن في القيام بواجباته في حماية المدنيين عمومًا".