يتساءل بعض عن جدوى مسيرة العودة، وهل حققت الأهداف المرجوة منها؟، وهل هذا الأسلوب يجدي نفعًا مع الاحتلال الإسرائيلي؟، وإن كنا الفلسطينيين لا نملك ترف الوقت لكي نطرح هذه الأسئلة؛ فإن الفلسطينيين في معركتهم المفتوحة مع الاحتلال يربحون بتسجيل النقاط المتتالية ما داموا لا يملكون إمكانية تسديد ضربة قاضية لهذا الاحتلال، وبناء على هذه النظرية إن ابتكار أساليب مختلفة في المقاومة غير العنفية أصبحت مجدية في ضوء التطور الإعلامي ونقل الصور تباعًا إلى العالم الغربي، ليكتشف هذا العالم مدى المظلومية الواقعة على الشعب الفلسطيني، هذا العالم الغربي هو نفسه الذي ساعد الاحتلال الإسرائيلي قبل عقود من الزمن بتعاطف منه لما حدث "لليهود" من محرقة، ولولا ذلك التعاطف ومساندة دول كبرى له ما استطاع إنشاء دولته، الأمر الذي بات يقلقهم في الكيان العبري على المستوى السياسي والأمني والإستراتيجي، إذ يستند الكيان في البقاء إلى عنصرين أساسيين:
1_ "تحقيق الأمن الداخلي": الذي يوفر البيئة المستقرة لاستقبال المهاجرين وزيادة العدد لمواجهة القنبلة الديموغرافية العربية.
2_ "الشرعية والصورة الدولية": إذ يدعي أنه الدولة الديمقراطية في صحراء العرب القاحلة من الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.
فكشفت مسيرة العودة الأسلوب البربري للاحتلال بقتله الصحفيين والإعلاميين والمسعفين والنساء والأطفال والرضع، والمقعدين وذوي الحاجات الخاصة، ووصلت الصور إلى العالم الغربي، ما بدأ ينعكس سلبًا على صورة وشرعية الاحتلال الإسرائيلي، فالرد الإسرائيلي على فعاليات مسيرة العودة السلمية يحرج الكيان، وأيضًا عدم الرد يضعه في ورطة بسبب تزايد الفعاليات وإصرار الفلسطينيين على الاستمرار والتقدم، ووقوفه عاجزًا.
وتحمل مسيرة العودة التي ترتكز على القرارات الدولية رسائل متعددة، منها أن الشعب الأعزل يريد أن يحيا بكرامة مثل باقي الشعوب، ويستعيد حقوقه المسلوبة، حتى إن طفلًا إسرائيليًّا يسأله المدرس بالأمس في مدرسة إسرائيلية: "لماذا يخرج الفلسطينيون في مسيرة العودة ويرموننا بطائراتهم الورقية؟"، فيرد ببساطة وعفوية: "لأنهم يريدون استعادة أرضهم التي أخذناها منهم".
فضمان نجاح المسيرة حفاظها على سلميتها، لأن الاحتلال حاول جر الحشود إلى مواجهات عنيفة لكي ينهيها، ولكنه فشل، برغم ارتكابه مجازر وقتله أعدادًا كبيرة من الحشود على الحدود الزائلة.
إن الدليل على أهمية هذه المسيرة انعقاد مجلس الأمن عدة مرات من أجل مناقشة ذلك، وبرغم استعمال الولايات المتحدة حق النقض وإفشال أي قرار مساند للفلسطينيين كشف أن العالم الغربي أصبح على يقين "أن العنف المستخدم من طرف الدولة الإسرائيلية لا يساهم في صناعة السلام والأمن في المنطقة، وأن (إسرائيل) تشطب مبدأ "حل الدولتين" وباتت خطرًا ينذر بإشعال فتيل المنطقة".
إن موجة جديدة من التعاطف مع الفلسطينيين جميعًا بسبب ما يحدث في غزة لهي مرحلة جديدة متقدمة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فباتت صور الفلسطينيين والرموز النضالية على جدران دول أوروبا، وبات التعاطف أكثر وضوحًا بزيادة المقاطعة للرموز الإسرائيلية على الصعيد الرياضي والفني والتجاري والأكاديمي ... إلخ.
ويظل أكبر عائق أمام مسيرة العودة هو الانقسام، الذي يقلل فرص نجاحاتها، ويمثل عنصرًا محبطاً دومًا لأغلب الفعاليات، إذ يفت الانقسام في عضد الفعاليات ويدخل الجمهور في أتون المناكفات والأسئلة غير المجدية التي تعصف بالجهد الوطني الفلسطيني، لذا الدعوة إلى إنهاء الانقسام يجب أن تظل قائمة حتى نجدد شرعياتنا التي انتهت، ونوحد تمثيلنا الفلسطيني، ونغلق الأبواب أمام التدخلات الخارجية التي أضرت بالقضية الفلسطينية أكثر مما أفادتها.