فلسطين أون لاين

​رصاص الاحتلال يقتل فرحته بالعيد

والدة الطفل هيثم الجمل تزفه بالورود تنفيذًا لوصيته

...
رفح - ربيع أبو نقيرة

بـ "زفة ورد" سارت مراسم جنازة الشهيد الطفل هيثم محمد الجمل (15عاما)، كما أراد وأوصى.

نفذت الوالدة المكلومة ورود الجمل (35عاما) وصية نجلها البكر، وودعته بنثر الورود على جثمانه.

دقائق معدودة تمكنت خلالها من إلقاء نظرة الوداع عليه ولمس وجهه بيديها، ليمضي بموكبه الجنائزي دون عودة.

لكن روحه بقيت محلقة في أرجاء منزل عائلته الكائن في حي البرازيل بمدينة رفح جنوب قطاع غزة.

ترك الطفل الجمل مقتنياته الطفولية في غرفته، لتبقى ذكراه حاضرة في قلوب ذويه وعقولهم.

أحذية خاصة برياضة الـ "سكيت"، وكرة قدم بالية، ودفاتر وكتب، وطائرة ورقية، وحقيبة وملابس، مقتنيات خاصة بهيثم أخرجتها والدته لتشتم رائحته فيها.

كل غرض منها له حكاية وقصة، فأحذية رياضة "سكيت" كان يلبسها ويمارس تلك الرياضة مع أصدقائه.

في حين أن كرة القدم البالية، تشهد له كما أروقة حارته الصغيرة وأصدقاؤه، بحبه الشديد لممارسة كرة القدم.

أما الملابس فهي جديدة ومن ضمنها حذاء، كانت قد اشترتها الوالدة له ليقضي بها عيد الفطر الذي يحل خلال أيام؛ لكنه لن يتمكن من ارتدائها، فقد غيبه رصاص قناصة الاحتلال الإسرائيلي الذين يواجهون مسيرة العودة السلمية.

واستشهد هيثم وهو يرتدي قميص نادي برشلونة الإسباني لكرة القدم، إثر عيار ناري فتك بأحشائه، بعد أن فرغ من أداء صلاة العصر بمخيم العودة شرق رفح في جمعة مليونية القدس.

والدته ومن حولها النساء يواسينها بفقدان نجلها البكر، قالت: "هيثم شارك في مسيرة العودة السلمية، ولم يذهب إلى حرب، هي مجرد مسيرة سلمية يتظاهر فيها أبناء شعبنا للتعبير عن تمسكهم بحق العودة ورفض صفقة القرن"، مشيرة إلى أنه كان يشارك كل جمعة في فعالياتها.

وتابعت في حديثها لصحيفة "فلسطين": "في الجمعة الأخيرة قال لي: جهزي لي كفني فأنا سأذهب وسأعود شهيدا إلى المنزل، فلم أعتد بكلماته ولم أشعره أنني تأثرت بها".

وأضافت: "لأول مرة أشعر بذهابه سريعا إلى مخيم العودة شرق رفح، دون رؤيته جيدا، فتجهزت للذهاب إلى مخيم العودة من أجل اللحاق به، وعندما وصلت إلى أرض المخيم أخبروني أن هيثم أصيب، فقلت لهم لم يصب وإنما استشهد، فتوجهت إلى المستشفى فقدموا لي التعازي باستشهاده، فقلت، حسبنا الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون".

وهي تبكي وتسيل دموعها على خديها، وصفت جنود الاحتلال بـ "القتلة والظالمين"، قائلة: "هؤلاء قتلة الأطفال لا يرحمون كبيرا ولا صغيرا، ولا يفرقون بينهم".

وأشارت إلى أن نجلها بعد أن أنهى دراسة المرحلة الإعدادية كان يستعد للحاق بالمرحلة الثانوية، مضيفة: "قلت له أريد تسجيلك في مدرسة الدوحة، فقال أريد أن يتم تسجيلي في مدرسة الشهداء، فقلت له لماذا مدرسة الشهداء فهي بعيدة؟، فقال: لا، مدرسة الشهداء شيء آخر، ستعرفينه غدا".

وتذكر الوالدة المكلومة أيام حياته الأخيرة، سيما ذهابه معها إلى المسجد في أيام شهر رمضان المبارك، من أجل تأدية شعائر صلاتي التراويح وقيام الليل.

وقالت: "الاحتلال يعرف أن هذه الأرض لنا وسينهض الجيل القادم ليحررها ويطرده منها ويحرر المقدسات، فتعمد إطلاق النار على الأقدام ليتسبب في إعاقة الشبان، وتعمد قتلهم، حتى لا يستطيعوا الدفاع عن أرضهم، ومن أجل إرعاب الأطفال".

وتابعت بعدما تنهدت بصوتها الباكي: "بالعكس..، كل رصاصة تزيدنا قوة وإرادة وعزيمة"، مضيفة: "كان هيثم يقول لي، ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، .. لذلك لن ننتظر العربان لينصرونا ويحرروا أقصانا، ذلك سنفعله بأنفسنا".

وأكملت: "الحمد لله حمدا كثيرا، فقد اصطفاه شهيدا من بين الآلاف"، موضحة أنه "كان يحمل حجرا في مواجهة دبابات الاحتلال وطائراته وجنوده المدججين بالسلاح..".

احتلال زائل

بدوره، أوضح جد الشهيد، الحاج عدنان أبو لبدة، أن حفيده كان حلمه صناعة قناع يقيه من قنابل الغاز السام المسيل للدموع، ليرتديه ويثبت في المواجهات عند قمع المتظاهرين بالغاز، لكن الاحتلال كان أسرع من تحقيق حلمه بوضع حد لحياته.

وأشار إلى أن رحيله أوجع الجميع، خاصة أنه كان ينتظر فرحة أعدت له في عيد الفطر، بالملابس الجديدة والحذاء، والعيدية والألعاب.

وذكر أبو لبدة أنه يشارك وأولاده وأحفاده في فعاليات مسيرة العودة من بدايتها، قائلا: "قدمت نجلي أشرف شهيدا عام 2004 وقدمت زوج ابنتي نافذ غنيم شهيدا قبل أسبوعين، واليوم أقدم حفيدي هيثم، فهذا أمر يدعو للمفخرة".

وأكد مواصلة الطريق نحو العودة مع من تبقى من عائلته، مهما كلفه ذلك من ثمن، مشددا على أن "هذا الاحتلال المجرم المتغطرس سيزول يوما بإذن الله".