تكتيك خلق النزاعات إلى الافتعال المباشر للحرب مع الدول العربية كانت منذ البداية وهو مرتبط بنضج الظروف بالنسبة للاحتلال وهذا ما كان في حرب الايام بل الساعات الستة، نزاعات عربية حرب اليمن ونزاعات داخلية الوحدة العربية والصراعات على السلطة في الدولة الواحدة مراكز القوى المرتبطة بمصالح الاستعمار والمصالح الشخصية وهكذا كانت الظروف المحيطة في هزيمة حرب حزيران 67 التي لحقت بجموع الدول العربية وجيوشها، ومازال السؤال لم يجد له الجواب كيف هزمت (إسرائيل) الجيوش العربية في ستة ايام بل ست ساعات؟ من المسئول عن الهزيمة؟ وأين دور الشعوب في معاقبة أولئك الزعماء القوميين عن الهزيمة؟ ولماذا لم تحاسبهم؟ ولماذا نجا عبد الناصر والقيادة العسكرية من محاكمة التاريخ عن هزيمة حزيران؟
لا شك أنها مرحلة أفقدت العرب الثقة بالنفس في هزيمة دولة الاحتلال وأسست لنظرية التطبيع مع الاحتلال في السر ومد جسور التعاون والتآمر على القضية الفلسطينية، ومع ذلك ظل خيار المقاومة والأمل في مواجهة دولة الاحتلال في اطار وحدوي وبقي الامن القومي العربي بنظريته الجماعية وان (إسرائيل) عدو مركزي للعرب ولم تتجرأ دولة عربية على الاعلان عن التطبيع وبناء علاقات مكشوفة مع (إسرائيل)، وعقدت تلك الدول في" العاصمة السودانية الخرطوم في 29 أغسطس1967 على خلفية هزيمة عام 1967 أو ما عرف بالنكسة.
وقد عرفت القمة باسم قمة اللاءات الثلاثة حيث خرجت القمة بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاثة: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه، وحضرت كل الدول العربية المؤتمر باستثناء سوريا".
حتى حرب تشرين 73 التي يبدو لي انها كانت تحت غطاء تحريكي لجر المنطقة الى السلام مع (إسرائيل) جماعيا او فرديا والاعتراف بها شريك وجزء من امن المنطقة القومي، وما زال موضوع اعتبارها جزءا من الامن القومي مستبعد الحدوث لكن هناك ما يسمى في اطار مشروع شمعون بيرس الشرق الاوسط الجديد ما يسوغ لدول المنطقة الاعتراف بـ(إسرائيل) تحت هذا الغطاء، وهو ما يطالب به اليوم؛ من دول عربية خليجية في اطار مواجهة التمدد الشيعي والتهديد الايراني لسيادة دول المنطقة خاصة منها الخليجية.
ديفيد بن غوريون مهندس الحرب
في العام 1967 لخص بن غوريون فكرته عن العرب بما يلي: "لا توجد حقوق تاريخية الا تاريخ شعبنا وأرضه، لا يوجد شعب بعيد عن ارضه ومشتت 2000 سنة. هناك حق للعرب في ارض (إسرائيل) ولكن لا حقوق للأمة العربية في ارض (إسرائيل) التي لها مطالب واحدة وهو الشعب اليهودي الذي لا يملك بلدا آخر .... للأمة العربية توجد بلاد كثيرة وأكثرها غير مأهولة.
وهو لم يكن يرى في حدود 1948 تكفي لدولة (إسرائيل) وكان يرى حاجة (إسرائيل) لمزيد من الاراضي لأغراض أمنية وعسكرية لحماية الجبهة الداخلية وحتى لا تكون مسرح أي حرب قادمة المجال الاستراتيجي الدفاعي للدولة؛ ففي يناير 1964، وضعت هيئة الأركان العامة للجيش الاسرائيلي عدة خطط عسكرية مفصلة، تهدف الى توسيع حدود (إسرائيل) في جميع الاتجاهات. وكان ذلك في خطط؛ أهم هذه الخطط: الجيش الإسرائيلي؛ احتلال سيناء وقطاع غزة، والوصول الى قناة السويس باسم خطة كلشون (קלשון ) الشوكة او المذراة (وهي خطة السويس خلال ستة أيام. ووضعت هيئة الأركان هذه الخطة في آذار/ مارس 1964، واستندت هذه الخطة الى تفعيل خطة "موكيد" الموقد التي وضعها سلاح الجو لجيش الاحتلال لضرب المطارات المصرية وتدمير الطائرات فيها، ومن ثم تتقدم القوات البرية لاحتلال سيناء من عدة محاور، و احتلال الضفة الغربية، بما في ذلك شرق القدس والوصول الى خطة فرجول (פרגול) الكرباج : وهي خطة الجيش الاسرائيلي الى نهر الأردن خلال 72 ساعة. وهي تطوير لخطط إسرائيلية سابقة بهذا الشأن، واحتلال هضبة الجولان السورية حتى مشارف دمشق، واستندت خطة ملكحايم (מלקחיים) الكماشة".
ففكرة التقسيم و التوسع والاستيطان كانت دافعا قويا لبن غوريون ليفكر بالحرب والاستيلاء على الاراضي الفلسطينية بحسب قرار التقسيم؛ حيث يرى في الموافقة على حدود 48 تكتيكا مرحليا لتأسيس نواه دولة (إسرائيل) بقرار دولي، والآن جاءت اللحظة لتصحيح النهج التكتيكي الذي تطلبه تحقيق قرار قيام دولة (إسرائيل) ، وفي مقالة لوزير خارجية (اسرائيل) آبا ايبان صيف 1965 مجلة الشؤون الخارجية بعنوان (الواقع والرؤيا في الشرق الأوسط – نظرة إسرائيلية) ورد فيها "ليس من السخف ان نتصور قادة العرب يطالبون في المستقبل بإلحاح بالعودة الى حدود 1966 او عام 1967 كما يطالبون اليوم بالعودة الى حدود 1947 تلك الحدود التي رفضوها في الماضي".
اسطورة الجيش الذي لا يقهر
منذ كارثة 1948 إلى هزيمة 1967، أي طول 19 سنة كاملة، استمرت احتفالات الصهاينة بالانتصارات للأسباب ذاتها التي التقطتها دولة (اسرائيل) واستغلت البيئة الاستراتيجية كما لخصها ديفيد بن غورين: نقص الادارة والتنظيم العربيين.
وهذا ما اشار له الفريق فوزي في مذكراته بتحديد رؤية للأسباب التي أدت إلى نكسة 1967، فيراها في العوامل الأتية:
الهزيمة لم تتوقف على الجغرافيا رقعة الأرض الجديدة التي تم احتلالها، والمقدرة بـ 68,659 كلم2 بل منحت دولة الاحتلال الخيال والاعتقاد بالعظمة وضعت فكرة ان يكون جيش الاحتلال اقوى من الجيوش العربية مجتمعة وهو الحل الوحيد للحفاظ على ردع العرب من خوض حرب جدية ضدها "ديناميكية الهزيمة" واستغلالها لمصلحتها.
رفض هزيمة حزيران
وهكذا شكلت هزيمة عام 1967 نقطة تحول حاسمة في تاريخ المنطقة العربية وأساسا منطقيا جديدا للتفاوض عليه، وهذا ما كان يؤسس له قادة الاحتلال لأنه كان هناك ادراك مبكر ووعي من قبل دولة الاحتلال ان المفاوضات ستتحقق بعد الاقرار العربي بالهزيمة واستحالة الانتصار العسكري عليهم أي كان التوسع تمهيدا للمفاوضات وهكذا تبلورت اهمية الرقعة التي تم التوسع فيها "وأصبحت محورا أساسيا في أزمة الشرق الأوسط وموضوعا لتجدد النزاع المسلح، ولمشاريع "السلام" المتلاحقة".
وهذا ما عبر بــن غوريــون في مذكراتــه في ٢٣ تشــرين الأول/أكتــوبر ١٩٥٠: قبــل قيــام الدولــة، عشــت أعوامــاً كثيــرة مصحوباً بكابوس احتمال إبادتنا... وأصـبح الخطـر في الواقـع أكثـر حـدة بإنشـاء الدولـة وبانتصارنا العسكري.
رفض الهزيمة المخادع على المستوى الرسمي
لا شك أن رد الفعل على الهزيمة كان بحجم الصدمة وانهيار الثقة بالنفس، وبذلك تشكل الاجماع العربي الظاهري برفض الهزيمة، والعمل على ازالتها والتي استغرق من مصر سنوات قبل حرب 73 تحت تكتيك حرب الاستنزاف .
وقد ولدت هزيمة الفكر القومي العربي الاشتراكي الذي تزعمه عبد الناصر والحزب العربي الاشتراكي؛ جملة من التطورات والانقلابات العسكرية، وفي نفس الوقت تحفيزا لدى الفلسطينيين للاعتماد على انفسهم باستغلال ردة الغضب من الجمهور العربي على الهزيمة، وقد عكس نشاط المقاومة الفلسطينية والالتفاف الشعبي حولها أحد مظاهر هذا المد الجماهيري.
ولقد كشفت المواقف الدولية خاصة الاوروبية ومدى التزامها بأمن دولة الاحتلال وحجم المساعدات التي تقدمها، ونشاط اسرائيل في تطوير ترسانتها العسكرية على حساب ترسانة الجيوش العربية .
الهروب من تحمل المسؤولية ثقافة عربية مبنية على تشوه بنيوي في نمط التفكير والحياة في العقل العربي؛ عدم قبول تحمل المسؤولية تأليه النفس والقرارات الديكتاتورية باعتمادها على قرار الفرد وتقديسه لفرض الطاعة على الاخرين، والخضوع وزرع الرهبة من محاسبة قرار الفرد ، وهكذا التاريخ يكشف حقيقة الموقف العربي من الاحتلال والعلاقات التاريخية معه لدول كثيرة في الخليج ومن الجوار ما يعني انهم انتظروا تلك السنوات الحادية والخمسين ليبدأ العد التنازلي في الاعتراف بـ(إسرائيل)، واعتبارها عنصرا مهما جدا في الامن القومي العربي والتصريح بصداقة (إسرائيل)، وحاجة النظام العربي الرسمي للتحالف معها للحفاظ على المصالح المشتركة في مواجهة رياح التغيير القادمة؛ من المشروع الايراني الشيعي او المشروع التركي الاسلامي الإخواني كما تعبر عنه ابواق اعلامية، ومؤسسات اكاديمية تابعة لنظام التبعية العربي في اطار التحالف الامريكي الصهيوني.
الخلاصة
إن هزيمة حزيران لم تزل تتحكم في أي مسار للصراع مع دولة الاحتلال وإن حرب تشرين التحريكية لم تزل آثارها على صعيد القضية الفلسطينية بل جرت كل الدول العربية للاعتراف بـ(إسرائيل) ونجت الدولة العبرية في حروبها بترويض العرب للقبول بها بل الإيمان أنها عامل استقرار للأمن القومي العربي والمنطقة في مواجهة الأخطار التي صنعتها إسرائيل وأمريكا للعرب وأن ما يجري اليوم من تصفية لقضية الفلسطينية تم بحلول هزيمة 1967م.