فلسطين أون لاين

​سامر فلتبعث لنُسحّر الناس معًا ولو مرة

...
محمد التركماني (يميناً) وسامر الشوا (يساراً)
بقلم: محمد التركماني رفيق درب الشهيد سامر الشوا

في إحدى ليالي شهر رمضان الماضي قررت ومجموعة من أصدقائي من رواد المساجد خوض تجربة القيام بدور المسحراتي وإيقاظ الناس لتناول طعام السحور، كانت الفكرة جديدة علينا، لكن أحد أولئك الأصدقاء _ويدعى "سامر الشوا"_ كان متحمسًا جدًّا وشجعنا على خوضها معًا.

اليوم بعد عام من هذه التجربة الجميلة التي حفرت في ذكرياتنا، كلما استمعت إلى نداءات المسحراتي في جوف الليل انتابتني موجة من الحزن الشديد والرغبة بإغلاق أذني بيدي، كيف لا وقد فقدتك يا سامر شهيدًا في سبيل الله والوطن وحق العودة؟!

رحلت يا سامر وتركت لنا الذكريات تنخر فينا، الله الله يا أخي وأنت تقول لي: "ليس البكاء على من ارتقى وإنما البكاء على من بقي"، سامر الذي أخذ المرتبة الأولى في مسابقة لحفظ أجزاء من القرآن، إذ قيل له قبل خروجه إلى مسيرات العودة: "خذ، هذه شهادتك"، لكنه كان في غاية الاستعجال إلى لقاء ربه وقال: "عندما أعود سآخذها"، ولم يعد، لا بل عاد إلى وطنه الأصلي الأبدي إلى نعيم مقيم إلى مقام رفيع، وهذا ما يصبرنا على فراقك، يا أخي.

أذكرك يا أخي وأنت من أسود حملة الفجر، إذ كنت تستيقظ قبل الفجر بساعة في ظل أجواء ماطرة وشديدة البرودة، وتخرج إلى الطرقات وتنادي بتلك الكلمات التي كانت وقودًا لإحياء الضمير ورفع الهمم في عنان السماء التي لا أزال أسمعها بأذن قلبي.

ومن هذه الكلمات: "أيها الناس قوموا قبل فوات الأوان، قوموا قبل موتكم، قوموا إلى جنة فيها رسول الله"، نعم يا أخي، هي تلك غايتك الواضحة، جنة فيها رسول الله.

وعندما أبدأ بالحديث عن ذلك اليوم العصيب تبدأ ضربات قلبي في صراع وسباق، اهدأ أيها القلب؛ فنصفك الآخر ينعَّم #سامر.

ذلك اليوم هو الرابع عشر من مايو 2018م، الموافق يوم الإثنين الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله، وقد رُفعتَ على الأعناق في زفاف ملكيٍّ مقدس، هذا الذي يتسابق إليه الكثيرون، لكن لا ينال هذا الموقف إلا باختيار الله.

في ذلك اليوم اتصل بي أحد أصدقائي وقال: "إن سامر أصيب وهو في مستشفى الشفاء"، فهرعت فزعًا إليه، وفي طريقي ناجيت الله ألا تكون إصابته خطيرة، وعند وصولي إلى المشفى وجدت أصدقائي وقالوا إنهم بحثوا عنه ولم يجدوه، فأخذت أبحث في جميع مباني المشفى كالذي يبحث عن ظله، ما يقارب الساعة أبحث عن إبرة في كومة قش وسط آلاف المصابين الطالبين للعلاج.

تعثرت بأحد الأطباء وسألته عن اسم "سامر الشوا"، فقال لي: "هل والده يدعى نائل؟"، فقلت له بلهفة وحرقة: "نعم"، فقال لي: "هو في العمليات"، وأخرجني من ذلك الباب المشؤوم الذي عزلني عن نصفي الآخر.

جلست خارجًا أرَوِّضُ نفسي على كل الاحتمالات التي ممكن أن تحصل، وبعد ثلث ساعة فقط من هبوط القلب العميق #وقعت_الواقعة، وخرج ذاك الطبيب مطأطئ الرأس، هزيل الجسم، ذابل العينين، وقال: "#سامر_استشهد".

فجفت الدموع بالعيون وبحلقت الجفون واصفرت الوجوه واقشعر الجسم بالبرودة وعلت الصرخات وآهات القلوب، والقلب يكذب ما سمعت الأذن، وإنا لله وإنا إليه راجعون، رحل الساكنون في القلوب، رحل من حبهم جزء من حياتنا، رحل من لم يرفض لي طلبًا، رحل حبيبي سامر.

نعم، إنها اللحظة التي عمل من أجلها طوال عمره، فهنيئًا لك عرس الشهادة، وذهبنا به إلى المسجد الذي طالما مكث به للعبادة والتربية، هذا المسجد الذي يشهد له بتربية أطفال الحي على تقوى الله وتدريسهم قرآنه.

حانت لحظة الوداع يا سامر، أُغمضت العينان فلا حراك، والوجه وجه الملاك، أُحدثه فلا مجيب، في هذه اللحظة العصيبة انهال الدمع من العينين كالنهر الجاري، والله المثبت، فصلينا عليه، وكنت أدعو الله أن يكون حلمًا عابرًا، لكنها الحقيقة والوداع، رحلت وتركت رنينًا بكلماتك التي تهمس بأذني في كل لحظة: "ليس البكاء على من ارتقى وإنما البكاء على من بقي".