هل نجحت إغراءات الصهاينة الكبيرة للسلطان عبد الحميد الثاني من أجل الحصول على مستوطنة واحدة في فلسطين؟
تحدثنا في المقال السابق أن كل محاولات أوروبا والصهاينة مع السلطان عبد الحميد باءت بالفشل، لذلك قرر الصهاينة الوصول إلى السلطان في إسطنبول، والحديث معه مباشرة، ويقدموا كل إغراءاتهم بين يديه في أحرج أوقات الدولة العثمانية.
فوصل عدد من كبار زعماء الصهيونية إلى قصر السلطان عبد الحميد في إسطنبول، وهم: المحامي "عمانويل مزراحي قرة صو", وهو من يهود سالونيك, ورئيس محفل مقدونيا الماسوني, و"جاك قمحي" رجل المال وصاحب أكبر بنوك تركيا, ويعرف بلقب "روتشلد إسطنبول", و"ثيودور هرتزل" الأمين العام للمؤتمر الصهيوني الأول, و"ليون كوهين" من كبار رجالات الدونمة, وعندما وصلوا إلى قصر يلدز طلبوا مقابلة السلطان عبد الحميد, فقابلهم رئيس الكتاب تحسين باشا, وأصر أن يعرف ما يريدونه لينقله إلى السلطان, فأبلغوه بأنهم يعرضون على السلطان عبد الحميد التالي:
1. سداد جميع ديون الدولة العثمانية.
2. بناء أسطول لحماية الدولة العثمانية.
3. تقديم قروض بخمسة وثلاثين مليون ليرة ذهبية دون فائدة، لإنعاش الدولة وتنمية مواردها.
4. إعطاء هدية خاصة لجيب السلطان عبد الحميد تقدر بعدة ملايين من الليرات الذهبية.
كل هذا مقابل:
1. السماح بدخول اليهود لزيارة فلسطين في أيّ يوم من السنة.
2. السماح لليهود بإنشاء مستوطنات قرب القدس ينزل فيها أبناؤهم بحجة الزيارة.
فعندما نقل تحسين باشا هذه العروض المغرية للسلطان عبد الحميد, في وقت كانت تعاني دولته من أزمة اقتصادية خانقة, كانت في أمس الحاجة لمن يمد يد العون للدولة, كان رد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني: "قل لهؤلاء اليهود الوقحين انصحوا الدكتور هرتزل ألا يتخذ خطوات جديدة في هذا الموضوع, وإنني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر من فلسطين؛ فهي ليست ملكي بل ملك الأمة الإسلامية التي جاهدت في سبيلها وروتها بدمائها, فليحتفظ اليهود بأموالهم وملايينهم, ولن يستطيعوا أن يحصلوا على شبرٍ واحد وأنا حي, إن عمل المبضع في يدي لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من الدولة الإسلامية, وهذا لن يكون حتى لو شرحت أجسادنا ونحن على قيد الحياة".
وبدأ السلطان عبد الحميد الثاني يأخذ إجراءات فورية وسريعة, ليضمن عدم وجود أي يهودي في القدس, فحدد مدة زيارتهم إلى القدس, ثم ربط لواء القدس بالعاصمة مباشرة من أجل حمايتها من عبث العابثين, بل أصدر مرسومًا يمنع فيه بيع الأرض في فلسطين بأيّ ثمن.
نعم إنه رجل بأمة, لقد حافظ على القدس وفلسطين, ولم تَضِع إلا بعد أن عزل السلطان عبد الحميد, بيد اليهود وعملائهم, من أجل ذلك خُلد اسمه وارتفع ذكره, ودخل التاريخ من أوسع الأبواب.