فلسطين أون لاين

"بدوان" بائع براد يروي ظمأ الصائمين على الحدود

...
غزة/ نور الدين صالح:

قُبيل غروب الشمس، واختفائها خلف السحب البيضاء، يبدأ المواطن عايش بدوان (39 عامًا) تجهيز نفسه وتحضير العربة الصغيرة المخصصة لبيع البراد، للانطلاق في رحلة عمله الشاقة قرب السياج الفاصل شرق مدينة غزة.

عند وصوله إلى موقع "ملكة" شرق غزة يتخذ بدوان مكانًا له قريبًا من ساحة إفطار الصائمين المشاركين في خيام العودة، خاصة في يوم الجمعة، الذي يشهد احتشاد أعداد كبيرة من المواطنين.

واعتاد الثلاثيني الذهاب قرب السياج الفاصل مع الاحتلال الإسرائيلي، منذ انطلاق مسيرات العودة السلمية في الثلاثين من شهر مارس الماضي، سعيًا إلى جلب قوت عائلته التي قست عليها الظروف المعيشية والاقتصادية، وفق حديثه إلى مراسل "فلسطين".

"يلا براد، البراد المُنعش" بهذه العبارة ينادي بداون عبر مكبر الصوت (الميكروفون) الصغير الذي يصطحبه معه، عقب انتهاء الصائمين من تناول إفطارهم، أملًا في استقطاب أكبر عدد منهم لشراء البراد.

لا يزال ينتظر والأمل يحدوه، وعيناه ترنوان إلى بيع "علبتي البراد" اللتين جلبهما معه، كي يوفر لقمة عيش كريمة لعائلته، تعفيه من سؤال الناس، كما يقول.

ويبين لمراسل "فلسطين" الذي كان في شرق غزة أنه لجأ إلى البيع قرب السياج الفاصل، رغم الخطورة التي تشهدها تلك المناطق، لسوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي يمر بها، وأثقلت كاهله، وجعلته عاجزًا عن سد أدنى مقومات الحياة الكريمة لعائلته.

"عربة البراد" الصغيرة هي المصدر الوحيد لعائلة بدوان المتكونة من 7 أفراد، يقول: "آتي هنا لبيع البراد، لجلب قوت يوم عائلتي، فلا يتجاوز البيع يوميًّا 20 شيكلًا (...) نحن نعيش مع الأموات وليس مع الأحياء".

ويضيف بدوان: "كنت أبيع على أبواب المساجد وفي بعض الحارات، وأحصل على 50 شيكلًا، لكننا اليوم بصعوبة نحصل على 20 شيكلًا".

ويلفت إلى أنه إن لم يتمكن من بيع كمية البراد التي جلبها فإن ذلك يتسبب له بخسارة كبيرة، إذ يتخلص منها بسبب عدم صلاحية بيعها مرة أخرى، لعدم وجود الكهرباء اللازمة لتبريدها.

ويُرجع بدوان ما يمر به قطاع غزة إلى الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 12 عامًا، إضافة إلى الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة عليه، وطالت مختلف مناحي الحياة فيه.

في تلك اللحظات اقترب شابان من عربة "بدوان" لشراء البراد، وهو ما أعاد له الأمل بعض الشيء، مع أن "علب البراد" لا يزال فيها قرابة النصف مع اقتراب الساعة من التاسعة ليلًا.

انشغل بضع لحظات، وعاد للحديث مع مراسل "فلسطين" عن المخاطر التي تحيط به في أثناء وجوده قرب السياج الفاصل، فيقول: "نخاطر بأنفسنا وأرواحنا بالقدوم إلى خيام العودة، من أجل توفير لقمة عيش كريمة".

ويستعرض بعض المواقف التي عايشها في خيام العودة، منها أنه أُصيب بشظية رصاصة في يده، في أثناء وقوفه بين المتظاهرين، بعد إصابة شاب أمام عينيه.

على بُعد أمتار كان يقف ابنه الأكبر خلف "عربة" براد صغيرة أيضًا، ينتظر بصبر نافد بيع البراد لديه، ليساعد والده في إعالة العائلة التي تحاول الاستعلاء على الواقع المرير الذي حلّ بها.

ويحكي أن نجله أصيب إصابة طفيفة أيضًا خلال وجوده بين المتظاهرين في خيام العودة، وبذلك يكون قد عرّض حياته وحياة ابنه للخطر، من أجل توفير قوت عائلته، وفق قوله.

يأمل بدوان أن تتحسن الظروف المعيشية في قطاع غزة، ويُفك الحصار الإسرائيلي المفروض عليه، "إذا لم تتحسن الظروف قليلًا خلال الأيام المقبلة؛ فإن القطاع سيكون أمام كارثة كبرى" يضيف.

ويختم حديثه بتوجيه رسالة إلى قادة الشعب الفلسطيني، بأن يكونوا على قدر المسؤولية في توفير الحياة الكريمة لهذا الشعب الذي ضحى من أجل الوطن والقضية.