فلسطين أون لاين

إلى أمي جنة الدنيا

...
كتبت/ نسمة حمتو:

ما زلتُ أذكر يديك الناعمتين تلتفان حول عُنقي، كيف لهذا القلب الصغير أن يحمل وطنًا بأكمله؟!، مُنذ ولادتي كنتِ حريصة على تربيتي أفضل تربية، كدتُ أنسى شكل أبي الذي لم أره في سوى الصور فقط، وبدأت المرحلة الابتدائية.

ما زلتُ أذكر كم كنتِ تقضين من الوقت وأنت تُعلمينني الكتابة والقراءة كي أحافظ على مستوى دراسي متميز يرفع رأسك عاليًا، كنتِ السند في أولى خطواتي إلى الحياة، دائمًا أشعر بالفخر لأنك سرتِ بجانبي، واليوم جاء دوري لأوجه لك رسالة شكرٍ، مني أنا حذيفة أبو هين إلى والدتي مُنى البطنيجي.

كانت سني 14 عامًا عندما استشهد والدي، وللحقيقة وجودك بجانبي يومها جعلني أكثر قوة بل أكثر ثباتًا، تعلمت منكِ كيف أكون رجلًا كيف أسير بين الناس وأرفع رأسي لأن والدي شهيد، سهرتِ طويلًا من أجل راحتي وراحة إخوتي.

أتدرين يا شقيقة الروح؟، كُنتِ لي السكن والأم والأب والأخ والصديق، خاصة أنني كنت الطفل الأول لك، لم أشعر يومًا بوجودك أنني وحيد وأن والدي غير موجود في حياتي، حرصتِ كل الحرص على أن تُنيري حياتي، فعلًا كنتِ خير ونيس لي، ونعم الونيس يا أمي.

بعد استشهاد والدي أصبح لديك تحدٍّ أكبر للواقع، وعزيمة على أن تمضي طريقك في تربيتنا وأن تكملي معنا حتى النهاية، حتى إنني لم أشعر بفقدان والدي في سوى كلمة "بابا" التي كنت أفتقدها كثيرًا.

أمي الغالية، كُنتِ الأقدر على كل شيء: التربية، وتحفيظ القرآن، ودعمي ومساندتي من أجل التميز في دراستي الجامعية، حتى عندما تزوجت وأنجبت عرفت قيمتك أكثر، عرفت أن وجودك بجانبي هو ما جعلني في مكانتي التي أنا فيها الآن، لولاكِ أنت لما كنت الشخص الذي يحترمه الناس ويقدرونه في كل المحافل والمجالس، لولا وجودك بجانبي لما كنت الشخص الناجح في حياته العلمية والعملية.

أمي الغالية، أنتِ الجنة والسعادة والحياة، مهما قلت من كلمات، ومهما تحدثت عن قيمتك وعن حقك؛ فلن أوفيك بشيء أبدًا.

أتدرين؟، لم أكن يومًا أشعر بنقص في وجودك، كنت الصديق لي، أتكئ عليك في ضعفي وقوتي، كنت تمثلين لي عنوان القوة، أدركت أن وجودك نعمة أنعم الله عليّ بها، علمت أن غياب والدي كان ليكسر ظهري، لولا وجودك بجانبي، علمت أن الحياة لم تكن صعبة كثيرًا بوجودك بجانبي، في نعيمك الذي أنعم به الآن، كلما استيقظت صباحًا وقبلت يديك أدركت حجم النعيم الذي عشته في حياتي، شكرًا كلمة قليلة جدًّا لا تعطيكِ حقك أبدًا.

في كل مراحل حياتي كان لكِ بصمة، أدركت بوجودك أن الأم هي جنة الأرض، وصدق قول رسولنا الكريم: "الجنة تحت أقدام الأمهات"، وأنتِ _يا أمي_ تمثلين لي الحياة، مهما مر بحياتي أشخاص؛ فلم أجد أحدًا بحنانك وقلبك الصافي الأبيض، ولا رزانتك، وعقلك الفذ الذي حاول رغم كل الصعاب أن يعُطيني كل شيء، وألا يحرمني شيئًا.

لم أذكر منذ طفولتي حتى اليوم أنني تمنيت شيئًا ولم أحصل عليه، أن حياتي كان ينقصها شيء، لولا غياب والدي الذي ترك أثرًا كبيرًا فينا وأنت أزلتِ هذا الفراغ بوجودك إلى جانبنا، شكرًا حقًّا أمي على وجودك في حياتي.