فلسطين أون لاين

​في حياة وائل بعلوشة .. الشهادة سعادة والأصدقاء انتقاء

...
غزة - حنان مطير

لطالما أخبره والدُه أن "الشّهادة العلميّة" هي السّلاح الأهمّ في حياة الإنسان، وأنّ من يحصل عليها سيحقّق الكثير من الطموحات والأحلام، حتى علِقت تلك الكلماتُ في عقلِه كاسمِه، وباتت هي كلّ تفكيره في مرحلةٍ عمريّة مهمّةٍ من ريعانِ شبابِه.

وائل بعلوشة -35 عامًا- مدير مكتب الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، هو ضيف "أهل الفضل" في سطور صفحاتِنا هذه، يوضح لـ"فلسطين" أن والدَه صاحب الفضل عليه في تلك الحياة العابِرة، وهو الذي ساهم في تخطيط مسار حياتِه لينطلق متميّزًا عن أقرانه.

وللحديث عن حكايته شيء، فقد كان بعلوشة يستلهم القوّة والثّبات من صوتِ والدِه ونصائحه الحازمة في الوقت المناسب، فيروي لـ"فلسطين" أنه في عمر السادسة عشر كان يسير طريقًا طويلًا في كثيرٍ من الأحيان مشيًا على قدميه انطلاقًا من مشروع بيت لاهيا شمال قطاع غزّة حيث مكان سكنِه وصولًا إلى جامعته في مدينة غزّة، فالوضع المادي لعائلته لم يكن جيّدًا وكافيًا لتوفير أجرة الوصول للجامعة يوميًا.

يعلّق: "كنت أستمدّ طاقتي ونشاطي من كلمات والدِي إبراهيم بعلوشة الدّاعمة، لقد وضع العِلمَ والشهادة نُصب عينيّ واستطاع أن يجعلها الهدف الأكبر في تلك المرحلة".

ويقول: "ومن أجل تحقيق هذا الهدف، عملت في مصنع للخبز في أول عامين من المرحلة الجامعية ثم عاملًا في البناء، وناشطًا فيما بعد مع المؤسسات المختلفة التي عملت فيها عملاً جزئيًا، فلم أضِع دقيقة من وقتي سُدىً".

لقد تمكّن بعلوشة من توفير رسوم الجامعة من وراء تلك الأعمال شيئًا فشيئا حتى أتمّها وحصل على الشهادة في العلوم السياسيّة في عمر العشرين، فكان من أصغر الخريجين سنًّا خاصة وأنه دخل الجامعة مبكّرًا دون الطُّلاب.

ومن جديد يأتي الدّعم من والده كبيرًا ببضعِ كلماتٍ واعيةٍ هادئة حين كان يشعر بالضيق والخذلان، يروي: "تخرّجت من الجامعة ولم يكن لديّ عمل آنذاك، وكان الأمر صعبًا جدًا على نفسي وأنا الذي كنت أعمل أثناء الدراسة، فلم أحتمل الجلوس بلا عمل بعدها، حتى لاحظ والدي ضيقي وضجري".

يواصل: "دخل غرفتي وقال لي: تعلّم أن تتلقّ كل الضربات وأنت واقف على قدميك يا بنيّ، ولا تقلق من الدنيا فلكل شخص فرصة ستأتيه يومًا وعليه اغتنامها، وأنت من أذكى من رأيت في التعامل مع الفرص، لذلك لستُ قلِقًا عليك".

يعلق بعلوشة:" أن يُشعرك والدُك بالثّقة أمرٌ مهمّ في حياتك".

الأب الصاحب

ناهيك عن مصاحبة الأب لابنه فهي نقطةٌ مهمةٌ في تاريخ حياتِه، يوضح: "لقد كان والدي صاحبي، وهو الرجل الناشط السياسي الذي لا يملّ من الحديث في السياسة والمناقشة والحوار والمفاوضة برفقة الإعلاميين والسياسيين والنشطاء من مختلف الاحزاب".

لقد غرس في ذهنِه مقولة أنّ "ما لا يدرك كلّه لا يُترَك كلّه"، فباتت في حياتِه إحدى الطرق التي يسير ويبرمج حياته وعمله وفقها.

أما في صغرِه، فلوالدِه الفضل في كثيرٍ من مناحي حياتِه، ومنها فكرة "تدخين السيجارة" التي يحمد الله أنه ليس مُبتليًا بها والفضل لأبيه في ذلك وفي أشياء أخرى كثيرة منها ممارسة الرياضة دومًا وفق قولِه.

لم تكن سيجارةً حقيقية، بل عودًا رفيعًا أشعله وائل في عمر العاشرة، وراح يتسلّى بنفثِه، قبل أن يركض لوالدتِه مبتهِجًا ويُطلِعها على تلك السيجارة "اللّعبة"، فيلمح والدُه المشهدَ وهو يهمّ بالخروج من البيت.

"تعال يا وائل "بدي" أحكي معك كلمتين".. ناداه والدُه إبراهيم بعلوشة بهدوءٍ، فأتاه بكامل براءته مبتسمًا، فربَت على كتفِه ثم قبَض على يدِه وراح يمشي بصُحبتِه في الطريق، ويقول له:" اسمع يا وائل، إنّ أصعب شعورٌ يمكن أن يمرّ به الإنسانُ هو عدم رضاه عن ذاتِه، وأنا وإن كنتُ مدخّنًا إلا أنني أشعر بالإحباط حيال ذلك ولستُ راضيًا عن نفسي في هذا الأمر تحديدًا، فاحذر من ذلك، ولتكن الرياضة ملجأك الصحيّ".

لقد سعى والد بعلوشة لأن يستثمر في أولادِه ومنهم ضيفنا مدير "أمان"، فالاستثمار فيهم أهم بكثير من الاستثمار لهم، وهذا ما يثق في صحّته ضيفنا ويعمل به دومًا.

ويحكي أن والده علّمه ضرورة انتقاء الأصدقاء انتقاءً دقيقًا، فوضع له قانونًا مفاده أن "من لن يضيف لك شيئًا في حياتِك فلا تصاحبه"، فالحياة أقصر من أن تضيع في صداقاتٍ بلا أهداف.