فلسطين أون لاين

​"أنثى بعشرة رجال"

"عائشة المصري" وهبت حياتها لسعادة وحيدها أحمد

...
غزة - نور الدين صالح

ليست كأي أم على هذه الأرض، فهي أنثى بعشرة رجال كما يقولون، وهبت حياتها، من أجل سعادة أولادها وتوفير الحياة الكريمة لهم، دون الحاجة لأحد، لاسيّما بعد وفاة زوجها وإصرارها على تربية طفلها الوحيد وشقيقاته الثلاثة.

"لم تبخل عني بتوفير متطلباتي الخاصة بي، رغم حالة الفقر التي كنا نعيش" بهذا بدأ الصحفي في صحيفة فلسطين أحمد المصري حديثه عن والدته عائشة، المثابرة والمكافحة التي تبلغ من العمر 72 عامًا.

كان أحمد وحيد والدته مع ثلاثة من شقيقاته، أبصر نور الحياة في وقت كان والده يتقدم بالعمر وعلامات الهرِم والكبِر تغزو ملامحه.

حين وصل المصري إلى سن السادسة عشرة صعدت روح والده إلى بارئها، وأصرّت والدته السبعينية على تربيته أحسن تربية، والسعي من أجل توفير كل ما يلزم له، رغم الوضع المالي الصعب لديها.

يقول المصري عن أمه: "لم أطلب منها يومًا شيئًا فمنعته، بل هي من كانت تبادر بشراء ما يلزمني بما توافر معها من مال، ومفاجأتي به دون علمي، كالدراجة الهوائية وأجهزة الحاسوب".

يضيف: "تحملت ما لا تطيقه أنثى من الكد والتعب وسهر الليالي الطوال لتوفر الحياة الكريمة لي"، واصفًا إياها بـ"منبه دائم يوقظه من الغفلة واتباع رفقاء السوء".

"لا تغفو عيناها قبل أن تكحلهما برؤيتي في كل ليلة، واعتادت السهر على راحتي منذ أيام الطفولة، لاسيّما في أوقات الدراسة، قليل هو الوقت الذي لم تكن عيناها علي وأنا على مكتب دراستي في المرحلة المدرسية، إذ تسهر معي من بعيد، وتعمل جاهدة لتوفير ما أحتاج دون أن أطلب منها شيئًا" يواصل حديثه.

"أعترف أنها من بعد الله كانت الغارس الأهم لالتزامي الديني، والحرص على أداء الصلاة في أوقاتها" يروي المصري حرص والدته على تعليمه القيم الإسلامية والالتزام بدين الله، وغرس حب الصلاة.

كانت الأب والأم والصديق، ولم تدخر جهدًا في تقديم النصائح في كل الأوقات، ومحاسبته عند تقصيره في الأعمال المنوطة به، خاصة بعدما أصبح في ريعان شبابه، وفق وصفه.

مضت الأيام والسنين وأحمد ووالدته يتقدم بهما العمر، إلى حين تزوجت شقيقاته الثلاثة، وأصبحا يعيشان في بيت وحدهما، حيث كانت تحرص على عدم زجه في المشاكل الأسرية.

ويحكي أن والدته عاشت حياتها وهي تحاول إبعاده عن مشاكل الحياة الأسرية التي كانت تحدث مرارًا من أصهارها (أزواج أخواته)، وتقبل أن تنام مهمومة موجوعة على أن يعلم بما كان يدور معها في هذا المضمار، فالمشكلة تبدأ وتنتهي معها.

استمرت حياته على هذا النهج إلى أن حان الوقت الذي أرادت والدته أن يتزوج فيه أحمد، فكان ذلك حين قاربت سنه السابعة والعشرين، وكان ذلك، فتزوج وأصبح يعيل أسرة متكونة من 5 أطفال.

ويروي المصري: "سني قاربت الـ36 عامًا، لكن لهفة والدتي لا تزال حتى الآن، بل تسعى إلى تخفيف الأعباء عني وعن زوجتي وأطفالي".

ويُكمل "تضحي بوقتها وحاجتها للراحة في سبيل إسعاد أطفالي وزوجتي، وتقبل تعبها على ألا أتعب، وأشعر أنها في غاية السعادة حينما تقوم بذلك".

ويختم حديثه: "لو عشت طول الدهر لما استطعت أن أوفي والدتي هذا الجميل، الذي سيبقى وسامًا على رأسي ما بقيت حيًّا (...) أرجو الله أن يلبسها ثوب الصحة والعافية".