فلسطين أون لاين

​رمضان فرنسا .. إحياءٌ لعادات المهاجرين وتَنافُس على إفطار المغتربين

...
الجزائري توفيق بوشعور
غزة / باريس - حنان مطير

الحياة اليومية خارج البيت لا تختلف عن باقي الأيام؛ توقيت العمل كما هو، الدراسة هي نفسها، المطاعم والمحالّ تنشط كعادتها، فأنت لستَ في بلاد المسلمين، إنما في فرنسا.

"فلسطين" هاتفت الجزائري توفيق بوشعور المدير التسويقي لإحدى الشركات الألمانية والمقيم منذ 25 عامًا في فرنسا وتحديدًا في مدينة "ليون" ليخبرنا بتفاصيل شهر رمضان حيث مدينة الجمال.

فيروي أن سلاسل محلات المواد الغذائية الفرنسية باتت تهتم لهذه المناسبة بوضع برنامج إعلاني خاص بهذا الشهر الفضيل؛ هدفه الإشهار لكل ما تعرضه على رفوفها لإغراء الصائمين؛ معلقًا: "رغم بعدنا عن بلادنا لا زلنا نحافظ على عادة الإفراط في الاستهلاك، وشركات تسويق بهذا الحجم لا تستهين بما يمثله قرابة 6 ملايين مستهلك مسلم في فرنسا".

فيما كانت محلات المسلمين سابقًا تحضّر وجبات خاصة وحلويات ومواد مستحضرة خصيصا لهذا من بلدان المغرب العربي وفق قوله.

ويوضح توفيق أن رمضان بالنسبة لمسلمي فرنسا يعد من أهم المناسبات على الإطلاق، إذ هو فرصة لإعادة إحياء بعض العادات التي عرفها معظم المهاجرين في أوطانهم.

أما الأهم في رمضان فرنسا أن الغالبية العظمى تلتزم بالصوم وخاصة الشباب منهم ممن لم يتربى في بلد إسلامي و هم الأكثر عرضة لتأثير الثقافة الغربية و مغرياتها المادية وفق حديث توفيق لفلسطين.

وما يثلج صدره في مدينته أن المساجد وهي عبارة عن "مصليات" تكتظ في هذه الأيام المباركة وأن حضور التراويح لا يخفّ طوال الشهر، فيما تعجّ موائد الإفطار عادة بالعديد من الأطباق المعدة خصيصا في هذا الشهر.

منافسة في الخير

وفي سنّة حميدة تتنافس فيها المساجد هناك، حيث يساهم سكان الحي أو مرتادو المسجد في إفطار عابري السبيل والطلبة الفرادى خصوصا، فبالإضافة إلى إمكانياتهم التي قد تكون محدودة، فهم يعانون من الغربة وبعدهم عن الأهل في مثل هذه الأيام، فتسجل العائلات أسماءها لدى هيئة المسجد حتى يتم التنسيق لضمان كل ضروري بلا إسراف، بينما بعض العائلات تستضيف شخصا أو أكثر حسب قدرتها وتقاسمه إفطارها و دفئها -والحديث لتوفيق-.

ويبين الجزائري توفيق أن العقيدة الفرنسية اللائكية "حالة قانونية تهم الدولة وهي مبنية على الصراع"، وهوس المجتمع والإعلام بكل ما له علاقة بالإسلام، يجعل العائلات المسلمة أحيانا في حرج؛ إذ أن الرغبة في تدريب الصغار مثلا على الصيام قد تستغل لإلصاق تهمة التطرف بالأولياء وإظهارهم كمسيئين في المعاملة تجاه أبنائهم.

ويروي أنه منذ بضع سنين خرجت وزيرة في حكومة ساركوزي للإعلام مبدية استهجانها لغياب العشرات من التلاميذ في كامل فرنسا عن المدارس صباحًا لأنهم يذهبون لصلاة الصبح، فبدأت الأصوات منددة بالتصرفات اللامسؤولة للأولياء المسلمين المتشددين ودام الحال عدة أيام إلى أن تكفل موقع إعلامي بالتحقق من القصة التي كانت في الواقع تحكي عن أن أحد رؤساء البلديات من حزب الوزيرة ذكر في حوار معها أن مدير مدرسة ابتدائية (تحت وصاية البلدية) أخبره أن أحد تلاميذه وصل متأخرا مرة أو اثنتين وأن الوالد الذي يرافق ابنه إلى المدرسة اعتذر كونه ذهب إلى صلاة الصبح.

وللأسف هكذا صارت تلك الحالة الفريدة تعميما على كافة المسلمين وتهمة وجب الإسراع للتبرؤ منها، حيث يعلق توفيق:" الوزيرة لم تعتذر والإعلام بحث له عن موضوع آخر".

وعيد الفطر فرصة نادرة للالتقاء بمن تعسر لقاؤهم خلال رمضان أو حتى قبله، فالبلديات تضع تحت تصرف مساجد الأحياء القاعات الرياضية لاستعمالها في صلاة العيد فالحضور لهذه الشعيرة يفوق كل ايام السنة. كل من تيسر له أخذ يوم عطلة يفعل، والغالبية العظمى من أبناء المسلمين تتغيب عن الدراسة رغم الضغوط لإثنائهم، ما جعل بعض السياسيين يطالبون باتخاذ يوم أو يومين من أعياد المسلمين عطلة مدفوعة الأجر.

ينتهي رمضان ويهلّ العيد السعيد، فيذكر توفيق أن المسلمين يتجمعون بعد صلاة العيد حول موائد الحلويات التي جاؤوا بها مما حضرت ربات البيوت، يتبادلون التهاني ويتعارف الأبناء بأقرانهم ممن لا يلتقونهم عادة، فتقطع ضحكاتهم ودردشاتهم مكالمات التهنئة خصوصا منها القادم من الأهل والأقارب في بلد الأصل، ثم بعدها تنطلق العائلات قافلة إلى بيوتها لاستقبال الضيوف أو لزيارة الأهل والأصدقاء.

ويوضح: "بمناسبة العيد نهدي للصغار ألعابا مختلفة وهدايا نلفها بأجمل الأغلفة لتثير رغبتهم ثم فرحهم وحبهم للعيد وشوقهم إليه، ما يعوض إحساس بعضهم بالغيرة أو النقص أمام ما يحصل عليه أقرانهم في أعياد الميلاد المسيحية وما يصاحب ذلك من إعلانات تسيل اللعاب".

فتلك ممارسات تجعلهم يفخرون بعيدهم وترفع من ثقتهم في أنفسهم وتحضرهم بشكل ما لمواجهة ضغوط اجتماعية تعمل على إبعادهم عن أصولهم ودمجهم دون اعتبار لخصوصيتهم.