فلسطين أون لاين

​عائلة بيتها المتهالك ينهش إيجاره عظامها

...
غزة - هدى الدلو

بيت متهالك، مهدد بأن يصبح ركامًا في أي لحظة على رؤوس ساكنيه، فتلك الخرسانة المسلحة التي تحمل السقف ومن المفترض أن تقوي عظم البناء وتشد أزره باتت في أوهن مراحلها، وأصبحت واضحة للعيان بعدما سقط جزء من الإسمنت على رؤوسهم.

ولا شيء يجبر العائلة على المكوث في هذا البيت سوى حياة يملؤها سوادًا ملامح الفقر وقلة ما في اليد، وعيون أطفال تخشى مستقبلًا مظلمًا لا تشعر بأي معالم له، حتى تلك الأم التي تقضي معظم وقتها ويدها على خدها، تفكر في اليوم الذي أشرقت عليهم فيه الشمس: كيف ستقضيه وتدبر أمورها، في ظل عدم عمل زوجها، وفقدانهم الشيكل الواحد؟!

عائلة (ع. م) المتكونة من ثمانية أفراد تعيش في أوضاع مادية مأسوية في ظل انعدام فرص العمل، فقد كان رب البيت عاملًا لأي شيء، ولكن مهنته تنتهي بانتهاء العمل وتحصيله أجرة يومه، أما اليوم فبات الأمر أكثر سوءًا في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في غزة عمومًا، وعلى فئة العمال "البسطاء" خصوصًا.

فلون وجه الأم "الباهت" يحكي فقرًا ويسرد حكايات الوجع التي تصبح وتمسي فيها، وجلست في حيرة من أمرها، من أين تبدأ الحديث والشرح عن وضع بيتها وأبنائها، فكل حياتها باتت على حافة الانهيار، خاصة أنها تسكن في بيت متهالك أجرته الشهرية 500 شيكل، قالت: "الشهر وراء الآخر، لم نعد نلتقط أنفاسنا من تسديد أجرة الشهر، ولا أدري كيف ألبي الاحتياجات الأساسية لأبنائي بسد رمقهم بأبسط شيء".

وبيّنت أن قبولهم هذا البيت مع أن أجرته غير بسيطة هو بسبب رفض أصحاب الكثير من البيوت تأجيرهم، لأن زوجها لا يملك عملًا دائمًا يستطيع من دخله دفع الإيجار الشهري، وقبل هذه البيت كانوا في آخر، وطردوا لتراكم إيجاره عليهم، الذي بلغ 45 ألف شيكل.

وتتقاضى العائلة من وزارة الشئون الاجتماعية 800 شيكل كل ثلاثة أشهر، "وكثيرًا ما يتأخر، ولكن على الأقل ببل ريقنا شوية، بتسديد دفعة مالية لصاحب البيت، وشراء المستلزمات الأساسية" أضافت.

تستغل تلك الأم وجود الكهرباء في طهي بعض الطعام لأبنائها، فجرة الغاز التي باتت على وشك الانتهاء تتركها لطفلها الرضيع لتغلي له الحليب، فالوضع المادي الصعب حرمه حليب الأطفال، فقد كان يحتاج كل أسبوع لعبوة حليب بسعر 35 شيكلًا، وجازفت والدته بإعطائه رضعات من حليب الوكالة، مع أنها تعلم أنه من غير الصحي شرب هذا النوع من الحليب قبل إتمامه عامه الأول.

تابعت: "وليزيد الطين بلة أني أنا وزوجي مواطنان، فلا يصح لنا تسلم "كوبونات" غذائية من الوكالة تساعدنا في حياتنا اليومية، ولكن عندما أعرف أن الجيران تسلموا "كوبوناتهم" أذهب إليهم لشراء الأرز والعدس، إذ يضعونهما في أغلب الأحيان للطيور والدواجن".

وفي أثناء حديث صحيفة "فلسطين" معها واستطلاعها الوضع لم تكف ابنتها ذات الأعوام الثلاثة عن طلبها المُلح أنها تريد "شاورما"، وتسكتها في كل مرة: "إن شاء الله راح أشتريلك"، أما ابنها في الصف الثالث فقد كان يرفض الذهاب إلى المدرسة لعدم حصوله على مصروفه اليومي.

ولكن ابنها الكبير في الصف الثامن بات متفهمًا للوضع المادي لعائلته، فرغم بُعد مدرسته عن البيت لا يطلب أي مصروف أو إيجار للمواصلات، فيذهب إليها مشيًا تحت أشعة الشمس التي باتت حارقة.

زوجها يعاني من مرض السكري، الذي يتجاوز قياسه 500 في كثير من الأحيان، فيحتاج إلى علاج، وتضطر إلى شرائه لعدم توافره في المستوصفات أحيانًا، وأجري له قبل مدة قصيرة عملية بلغت تكلفتها 500 شيكل، اضطر إلى الاستدانة لإجرائها لعدم قدرته على تحمل الوجع، أما طفلتها صاحبة الأعوام الثلاثة فتعاني من تقوس في القدمين وتحتاج إلى إبر كالسيوم.

عندما كانوا صغارًا كانت تستطيع أن تضحك عليهم بأي شيء، وتطهو لهم ما هو متوافر بين يديها، ولكن اليوم باتوا يطلبون وتشتهي أنفسهم، تكمل حديثها: "فعندما طبخت لهم "مجدرة" كان لا يوجد لدي بصل لأكمل الطبخة، فاكتفيت بما هو موجود، ولكن بات أبنائي يلاحظون ذلك".

عله شهر الخير يحمل الفرج في نفحاته، ويضع الرحمة والرأفة في قلوب أهل الخير ليساعدوهم في تسديد أجرة البيت، أو أن تعيش هي وأبناؤها في غرفة واحدة تنقذها من كابوس الإيجار الشهري الذي ينهش عظامهم قبل لحمهم.