فلسطين أون لاين

​رمضان غزة بين تقاليد الماضي ومتغيرات الحاضر

...
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

يستذكر الحاج سعيد أبو نحل (56 عامًا) عن ظهر حب وشوق تفاصيل الطقوس الرمضانية المرتبطة بشهر الصيام، منذ ثبوت رؤية الهلال إلى أن تعلو مآذن المساجد بتكبيرات عيد الفطر السعيد، معبرًا عن حنينه إلى تلك التفاصيل الجميلة بعدما طُمس جلها بمتغيرات الحاضر.

ويمثل شهر رمضان عنوانًا بارزًا للطقوس العبادية والتقاليد والأجواء الاجتماعية، التي تختلف تفاصيلها من بلد إلى آخر وفقًا للمنظومة الثقافية والمتغيرات الحياتية، التي تشمل بدورها فلسطين عمومًا، وفيها قطاع غزة.

وبكثير من الحنين إلى الماضي تحدث أبو نحل إلى صحيفة "فلسطين" قائلًا: "أصبحت الكثير من طقوس رمضان مجرد ذكريات عابرة، مع أنها كانت تبعث بالنفس السرور وتحفزها على انتظار الشهر من العام إلى العام، بسبب التطورات التكنولوجية التي ساهمت في إخفاء الكثير من طقوس الماضي".

وأضاف: "كانت عادات رمضان تبدأ قبل حلوله بأسابيع وأيام، فيجتهد الجميع بتوفير كل احتياجات الشهر، وتنتشر الزينة على بساطتها في الأزقة والشوارع، وتجهز النساء بيوتهن لاستقبال رمضان وضيوفه، ويصنعن الحلوى بأيديهن بدلًا من شرائها مثلما يجري اليوم".

وكانت طقوس رمضان تبدأ عن "حق وحقيق" _وفق ما عبر أبو نحل_ في الأيام الأخيرة من شهر شعبان، التي تسبق ثبوت هلال رمضان عندما يخرج الناس إلى الساحات العامة والأسطح العالية محاولين رؤية الهلال، وما إن يثبت حتى تعلو الابتسامة وجه الجميع ويتبادلون التهاني والتبريكات بالشهر.

ويرى أبو نحل أن التواصل الاجتماعي بالأمس اختلف عن اليوم كثيرًا، نتيجة للتقدم التكنولوجي، ويزيد: "بات التواصل الافتراضي هو المسيطر على مجريات حياتنا الاجتماعية؛ فبدلًا أن يجتمع جميع الأفراد في بيت العائلة الكبير بظل أجواء مفعمة بالحيوية، ويسودها المودة والحوار المباشر ترى كلًّا اليوم منشغلًا بمواقع التواصل الاجتماعي".

عادات متأصلة

أما أحمد عرفة فعدّ تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية سببًا في اندثار بعض تفاصيل رمضان القديمة، وقال لصحيفة "فلسطين": "عندما أستذكر رمضان في الماضي ينتابني شعور الحسرة، فلقد كانت زيارات الأرحام على نطاق أوسع وتشمل الأقرباء جميعًا، سواء أبعدت الصلة أم قربت، ولكن اليوم تخضع كل زيارة للحسابات المالية، الأمر الذي جاء بنتائج سلبية".

تابع عرفة: "كان التواصل والتعاون بين الآخرين أساسًا لا يمكن التغاضي عنه، بدءًا من تعاون الجميع على إعداد سفرة الإفطار، ثم الجلوس حلقة واحدة بانتظار صوت المدفع، وهو ما تلاشى اليوم، وعقب صلاة التراويح كانت تبدأ زيارات الأقارب والأصدقاء والسهر معهم ساعات طويلة".

ورغم ما سبق أكد أن بعض العادات ما زالت قائمة ومتأصلة بين أبناء الشعب الفلسطيني، مضيفًا: "ما زالت مساجد القطاع تفتح أبوابها لإقامة موائد الإفطار الجماعي، ما يزيد أواصر التلاحم بين الفقير والغني، وأيضًا تعمر المساجد بالمصليين، وتكثر حلقات الذكر وتلاوة القرآن والدروس الإيمانية عقب كل صلاة".

التواصل الحقيقي

"نفتقد التواصل الحقيقي في رمضان" هذا ما قالته الحاجة أم جميل راشد، مبينة أن أكثر ما فُقد خلال رمضان هو التواصل الاجتماعي الحقيقي بين أبناء المنطقة الواحدة والجيران، فكانت "فقدة رمضان" شيئًا أساسيًّا في حياتهم، حينما يفقد الجار جاره بطبق من طعام أو حلوى بعيدًا عن أي خلافات أو حسابات.

وذكرت أم جميل لصحيفة "فلسطين" أنه بالرغم من التغيرات التي طرأت على رمضان بين الماضي والحاضر يجب أن يبقى دائمًا بلا منازع شهر التلاحم والتآخي والخيرات، وبأيامه يجب أن يتعزز التواصل بكل صوره، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيش فيها قطاع غزة على الصعد الحياتية كافة.

وخلال السنوات الماضية تحت الحصار الإسرائيلي المفروض منذ أكثر من 11 عامًا على القطاع الساحلي باتت أيام رمضان مصدر رزق لمئات الشبان العاطلين عن العمل، الذين يقفون خلف بسطاتهم محاولين تسويق بضاعتهم من عصائر وقطائف وخضراوات ومخللات، ظاهرة تزداد انتشارًا في شهر رمضان تحديدًا.

أيضًا دفعت أزمة الكهرباء وانقطاعها ساعات طويلة تصل إلى أكثر من 12 ساعة يوميًّا إحدى نتائج الحصار العديد من العائلات الغزية إلى تناول طعام الإفطار على شاطئ بحر مدينة غزة، بعيدًا عن صخب الحياة ودرجات الحرارة المرتفعة داخل البيوت.