فلسطين أون لاين

صيام بلا إجبار

...
غزة - حنان مطير

لم تتمكّن "ريما" بسنها الصغيرة التي لم تتجاوز التاسعة أن تخبر والدتَها بأنها غير قادرةٍ على صيام يومٍ كامل، فكلّما همّت بإخبارِها بطريقةٍ أو بأخرى لاقت رفضًا وتبريرًا من والدتِها بأنها لم تعد صغيرة، وأنها قبل عام واثنين كانت تصوم حتى الظّهر، وأن ذلك كفايَة، وقد بدأ الجدّ.

لكن تلك المعدة الصغيرة لم تحتمل رؤية الطعام أمام عينها على طاولة المطبخ دون أن تختلس لنفسِها لقمةً، لا هي أشبعتها ولا أبقتها على صيامِها، فعن أي جَدّ تتحدث تلك الأم مع طفلةٍ غير مكلّفةٍ بعد؟!

إنّ إجبار الطفل على الصيام يحمل الكثير من الأضرار والمشاكل النفسية التي تلاحق الطفل طوال شهر رمضان، وحين يكبر، في حين أن تعويده الصيام أمرٌ محبوب، وهو الأصل في التربية، بل هو من السنة النبوية الشريفة.

لذلك كان الأولَى بالأهل تدريب أولادهم منذ الصغر على الصيام شيئًا فشيئًا، وإلا فإن الإجبار واحدٌ من أساليب العنف المتبعة ضدّ الأطفال التي ينتهجها الآباء بطريقةٍ غير مقصودة، فيلاقون عكس النتائج المرجوّة في تربية الطفل.

الاختصاصية النفسية عايدة كسّاب تحدّثت في هذا الموضوع، إذ نصحت بأن يأخذ الآباء بعين الاعتبار ضرورة تعويد الطفل تدريجيًّا الصيام، الأمر الذي من شأنِه أن يشعِر الطفلَ بحلاوة الصّيام والإسلام وكل ما يتعلّق به.

فلو أُجبِر الطفل وهو غير مُكلّف ولا قادر على الصيام بطريقةٍ مباشرة، أو غير مباشرة بالمقارنةِ _مثلًا_ بينه وبين الآخرين الذين يواظبون على الصيام ممن هم في مثل سنّه؛ فإنه قد يضطر إلى اتباع السلوكيات الخطأ التي تنافي أخلاقيات الإسلام، وأساسيات الصيام وتبعاتِه، وهنا إنه قد يختلس الطعام ويدّعي أنه صائم كالبقيّة؛ فليس كل الأطفال لديهم القدرة على البقاء طوال اليوم بلا طعام أو شراب؛ فتصبح الخيانة واستغفال الآخرين والكذب أمرًا سهلًا في حياتِه، ولم يجنِ حينها نفعًا، ولا والداه اللذان لم يتّبعا أصول تربية الطفل وتدريبه قبل إجبارِه.

وإن صام الطفل مُجبَرًا صيامًا كاملًا دون أن يفكّر في أن يفطر أو يتحايل؛ فإنه سيعتاد التسليم بالأمر الواقع أيًّا كان، ولن يفكّر يومًا في التغيير، وسيُجبِر نفسَه على القيام بأفعالٍ هو ليس على اقتناع بها؛ فيكون منهزمًا يفتقد الثقة، وهذا من شأنِه أن يخلق الكثير من السلبيات في حياتِه المستقبلية.