فلسطين أون لاين

مسجد "الخرطوم" تحفة معمارية تهيمن على قلب العاصمة

...
غزة - الخرطوم/ عبد الرحمن الطهراوي:

ما إن يصل الزائر إلى وسط العاصمة السودانية الخرطوم حتى يستقبله مسجد عتيق شامخ بمئذنتيه العاليتين ومبانيه ذات الطراز الإسلامي وساحاته الخضراء، مشكلة معًا تحفة معمارية وتاريخية نادرة تهيمن على قلب الخرطوم حبًّا وجمالًا منذ أكثر من قرن.

"مسجد الخرطوم الكبير" _وعرف سابقًا بمسجد "عباس"_ تلك التحفة المعمارية والأثر التاريخي الفريد، الذي أسس على نسق تخطيط المدن الإسلامية، التي يقع فيها المسجد دائمًا في الوسط باعتباره مركز المدينة ومحور حركتها، ويعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1901م، بدعم من الخديوي عباس الذي تولى الحكم في مصر في 1892م، ووضع حجر الأساس للمسجد.

ويقع المسجد في الجزء الغربي من مقابر الخرطوم القديمة، وشيد من الحجر الرملي، وتكسوه زخارف إسلامية فريدة تحتوي على لفظ الجلالة ونوع فريد من النحت، وقد استوفى المسجد بعد كل هذه السنوات اشتراطات التسجيل في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) أحدَ الآثار العالمية.

ويتخذ مسجد الخرطوم شكلًا مربعًا، وهي خاصية معمارية قديمة للمساجد في بلاد العراق وفارس ومصر، وهنالك ثلاثة أبواب رئيسة من الخشب مستطيلة عليها زخرفة اسم الجلالة بعبارة الله أكبر، ومجموعة من الشبابيك المستطيلة في الاتجاهات المختلفة بزخرفة مماثلة، ويعلو كل شباك منوران مستطيلان يعلوهما منور دائري.

وللمسجد مئذنتان: إحداهما من الناحية الجنوبية والثانية من الناحية الغربية، تميزتا بشكل معماري بديع، إذ أنشئتا على شكل ثلاثة أبراج، زينت بأشكال زخرفية بديعة، وهو ما يعرف بزخرفة التوريف، أما قمة المئذنة فقد قطعت على شكل كرة بيضاوية من قطعة واحدة من الحجر الرملي النوبي، ويعلوها ثلاث كرات حديدية ثم هلال مقفول من الحديد مطلي بالفضة.

ولسور المسجد الخارجي أبواب أربع، اختيرت على شوارع رئيسة من شوارع المدينة، فنجد أحدها من الناحية الشمالية يفتح على شارع يمتد حتى النيل الأزرق، والثاني من الناحية الجنوبية على شارع يمتد حتى رئاسة السكة الحديدية، وغربًا نجد ثالث هذه الأبواب على شارع يمتد حتى النيل الأبيض، أما الرابع الشرقي فعلى شارع يمتد حتى خط السكة الحديدية الممتد إلى مدينة الخرطوم بحريًّا، وتمثل هذه النهايات حدود مدينة الخرطوم القديمة.

وفي شهر رمضان المبارك تضاء مئات المصابيح المحيطة بالمسجد، وتعلوه آيات الذكر الحكيم من مئذنتي مسجد الخرطوم، وقبيل صلاة المغرب وموعد الإفطار تفرش في الساحات الخضراء المحيطة بالمعلم الديني الموائد الرمضانية المليئة بالطعام والشراب أمام الفقراء والمحتاجين.

وعلى مدار العقود الماضية أصبح المسجد منارة تاريخية وعلمية، يؤمه الناس من كل حدب وصوب، وتشرف عليه الهيئة القومية للآثار السودانية معلمًا تاريخيًّا سياحيًّا بارزًا، ويحكي عمره الطويل حقبًا من تاريخ السودان الحديث.