رسمت مسيرة العودة لوحة جديدة للمشهد السياسي الفلسطيني، وأضافت هذه المسيرة مزيداً من تراكم الفعل الفلسطيني الذي يربك الاحتلال ويجعل من توقعه للمشهد خارجاً عن حساباته وأكبر من توقعاته وإدراكه.
مسيرة العودة جاءت في ظروف سياسية معقدة وأرست مفاهيم جديدة للعمل الوطني، وبالتالي شقت هذه المسيرة طريقها بزخم شعبي وبدعم فصائلي وبهيئة وطنية تشرف عليها وتتبناها. هذه المسيرة قدمت تضحيات كبيرة، وقدم شباب فلسطين دمائهم وهم يعلمون أنهم يدفعون فاتورة التحرير التي لن تنتهي إلا بعودة فلسطين من بحرها إلى نهرها.
الصورة التي خرجت بها مسيرة العودة، جعلت من الحلم الفلسطيني بالعودة إلى الديار التي خرج منها الأجداد يعود إلى الأذهان الفلسطينية الشابة التي فقدت ملامح كثيرة من أصول الصراع مع المحتل في أتون الانقسام الداخلي.
هذا الجيل الذي يشتعل غضباً على طول الأراضي الشرقية لقطاع غزة، وجد في مسيرة العودة عنواناً لرفض مسلسل التنازل السياسي والتساوق مع المشاريع الأمريكية والإسرائيلية لإنهاء الصراع العربي مع الاحتلال على حساب التاريخ والجغرافيا الفلسطينية.
أما فصائل المقاومة التي تعتز ببرنامجها المقاوم، والتي هي مفخرة لكل فلسطيني يرفض الاستسلام أمام جبروت الاحتلال، وجدت نفسها تستجيب للإرادة الشعبية الفلسطينية في رسم مسار للمقاومة السلمية بجانب أدواتها المقاومة وتعاملت بحنكة عالية مع الموقف الصهيوني الذي يسعى لإغلاق هذا المسار بدمويته وإجرامه وفق تكتيكات الزمان والمكان.
من المهم أن تكون الثقة بالمقاومة عالية؛ خصوصاً وأن التجارب السابقة مع هذه المقاومة تؤكد أنها نجحت في إطار المعارك الممتدة مع الاحتلال وصفقة وفاء الأحرار التي نفذتها المقاومة تعبر عن هذا المعني بوضوح، فما كان من الممكن أن تنجح هذه الصفقة لو استجابت المقاومة لإرهاب الاحتلال وعدوانه المستمر وتعاملت وفق المنطق الذي حاول تكراراً أن يفرضه خلال الفترة التي أعقبت تنفيذ عملية خطف شاليط وحتى الإفراج عنه.
كذلك فإن إدارة المقاومة لملف مسيرة العودة ينم عن وعي لدى قيادتها في تجنيب جماهير شعبنا الخسائر ما أمكن، ووضع التقدير الأنسب الذي يتلائم مع المرحلة بما يحقق المصلحة الفلسطينية.
إن مسيرة العودة المستمرة تسير بخطوات واثقة نحو تحقيق أهدافها، وقد أنجزت جملة من الأهداف، أولاً: أحيت مسيرة العودة الحديث عن حق فلسطيني أصيل وجعلت المطالبات الشعبية الفلسطينية تتجاوز الحديث في قضايا المعاناة والحصار- رغم حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع- إلى مربع الحق الفلسطيني بالعودة إلى الأرض، وهو ما يعني عملياً زوال دولة الاحتلال. وثانياً: المشاركة الشعبية الكبيرة في فعاليات مسيرة العودة، ومئات الألوف من الجماهير التي خرجت إلى الحدود تعكس هذا التأييد الشعبي الكبير للمسيرة، وهذا يوضح حجم التأييد الكبير لهذا الخيار في ظل فشل خيار التسوية وانتهائه فعلياً.
ثالثاً: قدمت مسيرة العودة مشهداً فلسطينياً شعبياً رافضاً للانحياز الأمريكي لدولة الاحتلال، وقد نجحت مسيرة العودة في أن تعلي الصوت وتقول للعالم: "الأمريكي ينقل سفارته إلى القدس على حساب الدماء الفلسطينية".
رابعاً: كشفت مسيرة العودة عورة الاحتلال، وقدمته للعالم كأداة للقتل والجريمة ومجريات جلسة الأمن وعملية سحب السفراء وطرد السفير الإسرائيلي من بعض الدول يؤكد هذه الحقيقية ويضرب الرواية الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي.
إن المطلوب من مسيرة العودة كبير، وتحقيق الإنجازات بكسر الحصار والعودة يتطلب من الجميع الدفع باتجاه دحرجة هذه المسيرة على كافة المستويات وفي كافة المحافل والمناطق؛ لأن مشاركة الضفة الغربية والقدس المحتلة وكافة مناطق الشتات الفلسطيني يجعل من هذه المسيرة حية في العالم ومصدر إزعاج أكبر للاحتلال.