يلومون غزة على كثرة شهدائها في مسيرات العودة؟! لماذا تلومونها وهي أرض الشهداء جيلًا بعد جيل، منذ الفتح الإسلامي وحتى تاريخه. لا تلوموا غزة في شهدائها، ولوموا أنفسكم وأنتم تموتون تحت بساطير الاحتلال، أو على فراش التنسيق الأمني، أو بيوت العاهرات؟!
غزة التي قادت حركة النضال الوطني في ستينيات القرن الماضي، هي غزة بنت الأصول التي تقوده اليوم في عشرينيات القرن الحالي. لم يلم أحد غزة حين شكلت جيش التحرير، ومنظمة التحرير، ولكن تجار القضية يلومون غزة اليوم لكثرة شهدائها وتضحياتها. هم يلومونها بعد أن خذلوها، وجلسوا في مقاعد المتفرجين، أو في مقاعد العدو نفسه، يشاركون العدو فرحته في تهويد القدس وافتتاح السفارة الأميركية فيها، ويلومون غزة لأنها أغاظت ترامب وإيفانكا وكوشنير ونتنياهو في يوم افتتاح السفارة الأميركية في القدس، وأغاظت الفتيان العرب المطبعين، ممن يظنون أنهم ملكوا العرب بإرضائهم لإسرائيل وأميركا، ومنعتهم من الجلوس بجوار إيفانكا ونتنياهو.
لا تلوموا غزة لأنها حرة، ولوموا أنفسكم لأنكم عبيد. لا تلوموا غزة لأنها حية ولوموا أنفسكم لأنكم أموات. لا تلوموا غزة لأنها تنزف، ولوموا أنفسكم لأنكم ترقصون على جراحها. لا تلوموا غزة لاجتهادها، ولوموا أنفسكم لعجزكم. لا تلوموا غزة لأنها تصدع بالتكبير، ولوموا أنفسكم لأنكم تنفخون بالبوق نفخ حاخامات يهود؟!
حين تمسكت مصر بعروبة منطقة طابا لم يلمها أحد من العرب، بل كل العرب وقفوا داعمين لموقفها، وحين تمسكت غزة بالقدس والفارق بين طابا والقدس كالفارق بين المبارك، واللامبارك، وقف المرجفون يلومون غزة لتمسكها بالأرض المباركة والتضحية من أجلها بالغالي والنفيس.
القدس لن تكون عاصمة (لإسرائيل)، كما لن تكون القاهرة وعمان عاصمة لغير المصريين والأردنيين. القدس عاصمة فلسطين الأبدية وإن احتلتها (إسرائيل) اليوم. دماء الشهداء في غزة تقول إن يوم المحتلين في القدس قصير، وإن يوم غزة والقدس طويل ومبارك، واعتقادي أن موقف ترامب من القدس سيعجل بخلاص القدس من الاحتلال، وسيعجل بانهيار (إسرائيل). وعندها سيفرح المؤمنون بنصر الله، وسيخرس من لاموا غزة في شدتها على كثرة الشهداء منها، ولو علموا سرّ الشهادة وفلسفتها لجالدوا أهل غزة عليها، ولكنهم قوم لا يفقهون، لهم عيون لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم قلوب لا يفقهون بها، هم كالأنعام بل أضل سبيلًا، قاتلهم الله أنى يؤفكون.