عندما كان الغزيّون يتحضرون للمشاركة في فعاليات مليونية العودة وكسر الحصار السلمية الاثنين الماضي، انطلقت والزميل الصحفي ياسر قديح لأداء واجبنا المهني في التغطية الصحفية.
حدثني ياسر، في طريقنا إلى خيام العودة شرق غزة، عن إصابته الأولى بقنبلة غاز في قدمه عندما كان يغطي أحداث المسيرة السلمية الجمعة الماضية (11 مايو/أيار 2018)، وكنت أنظر إليه بعين تحمد الله أن حماه وأعاده سالما.
زميلي ياسر وأنا، نعلم جيدًا أننا كأي إنسان آخر في فلسطين وفي خيام العودة السلمية قد نكون هدفًا لرصاص الاحتلال الحي، أو لقنابل الغاز؛ لأن هذا الاحتلال له تاريخ طويل في قتل الإنسان الفلسطيني، وغيره.
لكننا نؤمن برسالتنا في نقل الحقيقة، وواصلنا مسيرنا حتى وصلنا إلى منطقة خيام العودة بالفعل.
انطلق زميلي ياسر في أداء واجبه المهني في تغطية أحداث مسيرة العودة السلمية.
لم يكن ياسر يحمل سوى الكاميرا والإرادة، لكنه كان هدفًا لرصاص حي أصابه به الاحتلال الإسرائيلي.
ولعل العالم يذكر كم صحفي أجنبي قتله الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، في دليل واضح على أن الأخير يستهدف طمس الحقيقة. من هؤلاء الصحفيين: الإيطاليان سيموني كاميلي وميكائيلو تشيريلو، والبريطاني جيمس ميلر، وحتى النشطاء ومنهم الأمريكية راشيل كوري، وغيرهم.
الاحتلال يريد أن يمنع الصحفيين من نقل جرائمه بحق الشعب الفلسطيني للعالم، لكنه لا يريد أن يتوقف عن ممارسة هذه الجرائم، وهو الذي يواجه بالرصاص الحي والقنابل، مسيرة سلمية متوافقة مع القرار الأممي (194) الذي يؤكد وجوب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم المحتلة.
الصحفيون بدورهم لن يتوقفوا عن أداء واجبهم المهني، في فضح الاحتلال وإجرامه. وخلال تغطيتهم مسيرة العودة السلمية، أصيب إلى جانب ياسر في اليوم نفسه 11 صحفيا، حسبما أفادت وزارة الصحة. وكان الصحفيان ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين ارتقيا شهيدين إثر إصابتهما برصاص الاحتلال خلال تغطيتهم فعاليات المسيرة.
إن الاحتلال يشكل أوضح أشكال الإرهاب، وفي سياق ذلك ينتهك صباح مساء القوانين والأعراف الدولية المتعلقة بالصحفيين وغيرها، ومنها:
*الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
المادة 19 نصت على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافية".
*إعلان جوهانسبرغ 2002 للأمن القومي وحرية الوصول للمعلومات:
أيد الحق في الوصول للمعلومات، باعتباره من الحقوق الضرورية لضمان التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير.
*المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان 2010:
يلزم لحرية الصحافة حماية خاصة كي تتمكن من لعب دورها الحيوي المنوط بها، وتقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام.
*العهد الأممي للحقوق المدنية والسياسية، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966:
المادة (19) نصت على أن لكل إنسان الحق في اعتناق ما يشاء دون مضايقة، ولكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين في أي قالب وبأي وسيلة يختارها، ودون اعتبار للحدود.
وغير ذلك من القوانين والأعراف الدولية.
لقد توجهت مع ياسر لأداء واجبنا المهني، وحالت جريمة الاحتلال دون أن نعود معا، حيث يتلقى الآن العلاج في المستشفى، لكنه يرافقني برسالته السامية، وبروحه الشُّجاعة.
إنّ من أوجب الواجبات، تعزيز الجهود لمقاضاة قادة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمهم لا سيما بحق الصحفيين، في المحكمة الجنائية الدولية.
وياسر –الذي أرجو الله عز وجل أن يعافيه- كان ولا يزال وسيبقى صوته حاضرًا، ألا وهو صوت الحقيقة الذي لا يمكن لمدفع ولا لطائرة ولا لدبابة أن تسكته أبدًا.