فلسطين أون لاين

​المسنان "مطير و"بدح" يساندان شباب العودة بتلاوة القرآن والدعاء

...
أبو السعيد بدح (تصوير / عبد الرحمن الطهراوي)
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

انحناء ظهر أبو محمد مطير واستيطان عدة أمراض جسده النحيل لم يمنعاه من المشاركة بذروة أحداث مسيرة العودة الكبرى، وإسناد الشبان العزل المنتفضين قبالة السلك الفاصل شرق قطاع غزة بتلاوة القرآن الكريم تارة والدعاء مرة أخرى.

ومنذ الساعة التاسعة صباحا خرج مطير (71 عاما) من منزله في مخيم جباليا للاجئين، شمال القطاع، متكئًا على عكازه الخشبي، قاصدًا مخيم العودة قرب موقع أبو صفية العسكري، مصطحبًا معه بعض أحفاده الصغار ومصحفه الخاص به.

وما إن وصل مطير أرض المخيم، الذي امتلأت جنباته بآلاف المواطنين منذ ساعات الصباح الأولى، حتى بدأ برفع معنويات الشباب مؤكدا لهم على ضرورة التمسك بالأرض وحق اللاجئين بالعودة إلى أراضيهم مهما كان الثمن.

العبارات القليلة التي تحدث بها مطير للشباب، قبل أن يتوجه إلى المقاعد ويبدأ بقراءة آيات من القرآن، تشير إلى مدى تجرعه مرارة النكبة قبل سبعين عاما، وتعبر عن آمله بالعودة القريبة إلى ديار أجداده في قرية "كوكبا" التي خرج منها عام 1948 وهو محمولا على ذراعي والدته نحو غزة.

وفي لحظة أنهى بها مطير تلاوة بعض الآيات، قال لصحيفة "فلسطين": "كما ترى لا أستطيع أن أتقدم أكثر وأساعد الشباب في إشعال الكاوتشوك "الإطارات المطاطية"، ولكني أستطيع أن أرفع أكف الضراعة نحو السماء وأدعو الله بأن ينصر الأبطال على الحدود ويكن مع غزة وأهلها المحاصرين ظلما وقهرا".

وأضاف مطير أنه عود أحفاده منذ سنوات على أن لكل فرد بالشعب الفلسطيني دور في دعم وطنه بمسيرة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي مهما كانت الوسيلة وحجمها، مشيرا أنه يواظب على الحضور إلى المخيم بين الحين والآخر رغم الإرهاق الجسدي الذي يصيبه نظرا لظروف الصحية. وبينما يدرك مطير أهمية مواصلة مسيرة العودة، التي انطلقت في الثلاثين من الشهر المنصرم على حدود قطاع غزة، يدعو أن يتبنى الكل الفلسطيني أينما وجد مبادئ المسيرة وأهدافها على قاعدة أن "النكبة أصابت الفلسطينيين دون تمييز لذلك على الجميع أن يتحد من أجل استرجاع الحقوق المسلوبة".

وفي ذات المنطقة التي جلس بها مطير، والمطلة على أقرب نقاط تماس بين المتظاهرين السلميين وجنود الاحتلال الذين كانوا يستهدفون المواطنين بالرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط ودفعات من قنابل الغاز المسيل للدموع، جلس الحاج أبو السعيد بدح ممسكا بمصحفه الصغير.

وبين لحظة وأخرى كان بصر بدح (70 عاما) يتجول في أرجاء مخيم العودة شمال القطاع، فهنا شبان يتسارعون في نقل الإطارات المطاطية نحو السلك الفاصل لإشعالها في وجه قناصة الاحتلال، وفي ركن آخر كانت سيدة بلغت من الكبر عتيا تنشط بتوزيع المياه على المتظاهرين وإلى جوارها طفلة تردد أبيات حماسية رافعة العلم الفلسطيني.

ويقول بدح لصحيفة "فلسطين" "هذه نعمة كبيرة أن ترى الصغير والكبير يشارك في مسيرة العودة وكسر الحصار كل وفق طاقته.. ولقد جئت إلى هنا رغم محاولات المنع بهدف التأكيد على التمسك كل الأجيال بالأرض ولإخبار كل العالم بأن للفلسطينيين أرض مسلوبة يريدون العودة لها مهما طالت الزمن وتكاثرت المؤامرات".

ولم يكن تعلق بدح بالأرض وإصراره على المشاركة بالمسيرة منذ الساعات الأولى لانطلاقها، إلا نتيجة طبيعية لمسلسل من المعاناة عرّفها أكثر بقيمة الوطن، بدءا من تجرعه مرارة الأسر في سجون الاحتلال ثم الإصابة برصاصات الاحتلال في انتفاضة الأقصى 2000 قبل أن يكتوي بمرارة الحصار وفقدان بعض أحبابه في الاعتداءات الثلاث.

وتزامنت المظاهرات الشعبية الغاضبة في غزة مع احتفالات سلطات الاحتلال والإدارة الأمريكية بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، في مخالفة صريحة لقرارات الأمم المتحدة.

وفي 21 من ديسمبر 2017 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة قرارا ينص على رفض أي إجراء يفضي إلى تغيير الوضع في القدس مما يعني رفض قرار ترامب.

ويشار إلى أن الكونجرس الأمريكي مرر قانون سفارة القدس عام 1995، الذي يقضي بنقل السفارة من (تل أبيب) إلى القدس المحتلة، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ رئاسة بيل كلينتون مرورًا بجورج دبليو بوش كما باراك أوباما لجأت إلى استخدام استثناء تنفيذي، لتأجيل نقل السفارة، "من أجل مصلحة الأمن القومي الأمريكي"، بينما خالف ترامب سياسة أسلافه.