فلسطين أون لاين

​في المسيرات.. نساءٌ فضّلن "الدعم" على "العبء"

...
الوسطى/ فلسطين:

صوتان في الخلفية يتسللان إلى مسامع "رُفيدات غزة", صوت إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على مخيمات العودة، سرعان ما يمحوه صوت نغمات تخرج من مكبرات الصوت المنتشرة في ربوع المخيمات "أنا النشمية, فلسطينية, أخت رجال بنت رجال..", أناشيدٌ وطنية تتغنى بشجاعة المرأة الفلسطينية، فتثير حماسة لتنطلق النساء المنتشرات بين الحضور ليؤدين واجبهن للوطن.

فلسطينيات يسِرْنَ على خطى أول طبيبة في الإسلام، الصحابية "رفيدة الأسلمية"، التي كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعدت الخيام وزودتها بكل ما تحتاج لتكون بمثابة "عياداتٍ" في ساحة المعركة، لتطبب الصحابة في غزواتهم مع المشركين.

حتى لا نكون عبئًا

على أهبة الاستعداد، تقف مجموعة من الفتيات والنساء اللواتي يمسكن بأيديهن "بخّاخات" تحتوي على "محلول الخميرة" أعددنه مسبقًا, يقمن برشه على وجوه المشاركين في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار، لحمايتهم من الاختناق بعد إطلاق وابل من قنابل الغاز، ورغم أن القنابل تهدف لتفريق المتظاهرين والنيل من عزيمتهم, إلا أن هذه اللوحة الوطنية تزيدهم إصرارًا على الصمود والتحدي.

"آلاء" ابنة المخيم الجديد في النصيرات، تتصدر الصفوف الأولى في معالجة المصابين من قنابل الغاز, تضع الكمامة على وجهها لتتجنب استنشاقه, وتحمل في يدها بخاخ الخميرة لتزيل آثاره عمّن استنشقوه.

تبدأ حديثها لـ"فلسطين" بالآية الكريمة: "...وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ"، ثم تقول: "لذلك نحن موجودون اليوم هنا في أرض مسيرة العودة شرقي البريج، لنغيظ عدوّنا".

وتضيف: "طالما أننا موجودون، فلماذا نكون عبئا على الشباب؟ لماذا لا نكون داعمات لهم؟"، متابعة: "فكرنا، فهُدينا لنشارك الشباب، جهّزنا البخاخات من أدوات متوفرة في المنزل، فهي عبارة عن علبة رشاش منظف الزجاج، وماء، والقليل من الخميرة، وفي حالة إلقاء قنابل الغاز نتجه بهمة عالية تجاه المصاب ونرشّ المحلول على وجهه مباشرة".

كأن لسان حالها يقول "بكل الوسائل سنقاوم", توضح: "للخميرة مفعول قوي جدا, هي (رقم واحد) للحد من آثار الغاز، ومن ثم الخل، والمواد العطرية, إلا إذا أُصيب الشخص إصابة مباشرة بالقنبلة, فجُرح أو تسمم، في هذه الحالة تتولى علاجه الطواقم الطبية المنتشرة في المخيم".

وتبين: "نفعل هذا انطلاقا من دافع ديني أولًا، ثم من دافع وطني, تعلّمنا هذه الفكرة من متابعتنا للثورات في بعض الدول العربية, وطريقة مقاومة المتظاهرين السلميين فيها لاعتداءات قوات الأمن عليهم".

وتوجه آلاء رسالة إلى العالم أجمع، فتقول: "رأيتم ضخامة الحشد الذي لا يزال مستمرًا, لقد أثبتنا للجميع أن شعبنا يتميز بنفس طويل جدا عندما يتحد بعضنا مع بعض، وعندما تكون الأسباب وطنية بحتة, لذا فإننا لن نتراجع، ومن وضع قدمه على بداية الطريق، لن ينسحب الا بتحقيق المطالب, العودة وكسر الحصار".

نتحمل الصعاب لننقذهم

تساندها صديقتها "إسراء"، وهي لاجئة من بلدة "المغار"، وتقيم حاليًا في مخيم البريج، تقول لـ"فلسطين": "ما أصعب الظلم الذي يقع، ويتجدد، على الأبرياء دون وجه حق لعدة مرات، ودون أن يكون هناك من يقف في وجه الظالم, وما أفظع هذا الظالم حينما يتمادى في غيه ويسلب الحق تلو الحق، دون أن تثنيه عن ذلك كل الشرائع السماوية والأرضية، ويصبح المظلوم لاجئًا ومنكوبًا, إنها صورة صعبة ترسمها الظروف بدماء الشهداء والجرحى".

تضيف ابنة الخمسة وعشرين عامًا: "نتعرض في إسعافنا للمدنيين السلميين لأصعب المواقف، ولكن نتحمل في سبيل إنقاذهم, جنود الاحتلال يطلقون قنابل غاز محرمة دوليًا، تسبب تشنجات وحالات اختناق، ونحن نحاول، ما استطعنا، أن نخفف من حدتها".

لم يعرف التاريخ شعبًا تخاذل عن نصرة وطنه، ولم يعرف التاريخ شعبًا لم تقف فيه النساء إلى جانب الرجال في مواجهة العدو، لكن ما تفعله نساء فلسطين مميزٌ أكثر من مثيلاتها في الشعوب الأخرى، فالمرأة الفلسطينية هي أم الشهيد وأخته وابنته وزوجته، بل هي الشهيدة نفسها.