طرحت هذه العبارة كشعار لمعرض فلسطين الدولي المقام هذه الايام على اراضي قرية سردة، بالفعل ما أجمل وأروع هذا الشعار، ومن الجميل أن نعلن الإيجابي ولو كان أمنية أو أملا سيتحقق في المستقبل، ولو كان مغايرا للواقع ولكن من باب تفاءلوا بالخير تجدوه.
وحتى نجد هذا الشعار واقعا يتحقق لا بد من أمور كثيرة تتضافر فيها الجهود خاصة ونحن جميعا في ثقافتنا هذه الايام أمام تحدٍ ثقافي تربوي كبير الا وهو المرئي الذي يسد أفق أبنائنا ويفتح لهم الباب على مصراعيه في متعة الصورة والمرئي من خلال وسائل حديثة تحت متناول اليد، سهلة المنال وسريعة الطلب ومجانية دون اي مقابل.. لمسة سريعة واذا الفيلم المثير الممتع الجذاب يسري بين عينيه فما الحاجة الى القراءة التي تتعب العقل والعين وتفسد حركة الهوى ومتعة النفس؟
طرح الشعار كأمنية نتمناها لشعبنا ولكن اذا حولنا الشعار الى هدف فإن الهدف يحتاج الى رؤية صحيحة وخطط واضحة وبرامج عمل قابلة للتطبيق.. كثيرا ما أزور المدارس في محاضرات توعية بخصوص القراءة، وانا اعلم مهما بلغت مهارتي في العرض والتشجيع الا ان ذلك لا يصمد أمام اغراءات اليوتيوب الا عند القليل القليل الذي لولاه لفقدنا الامل ولما ذهبنا لنحاضر أصلا.
والتحدي هو كيف نزرع مهارة القراءة ونجعل منها جزءا من الشخصية المستهدفة، كيف نجعل من القراءة عادة ايجابية دائمة تصل الى ما هو ابعد من القناعة اللحظية او حتى القناعة القوية لأن العادة تأتي بعد القناعة الذاتية الراسخة.
وهنا مثلا، لماذا الالمان واليابانيون يقرؤون والعرب لا يقرؤون؟ وبعيدا عن جلد الذات لنرى الفرق في الآتي وذلك من اجل تلمّس ما علينا فعله لإنتاج عادة القراءة:
ذاك القارئ ينشأ في بيئة تربوية مختلفة .. هناك يشتغلون في مدارسهم على تنمية المهارات بشكل أساس ونحن نشتغل على المعلومات.. هناك اختلاف في المناهج ومن يقوم بتنفيذها من ادارة تربوية ومعلم.. والمعلم يتلقى التدريبات اللازمة وقبل كل شيء الراتب اللازم ليجعل منه مرتاحا وقارئا ومتابعا لكل المستجدات . هناك المهارة اهم من العلامة والامتحان، محور العملية التربوية تنمية القيم والمهارات وعندنا العلامة والمعلومة.. هناك الفهم وعندنا البصم.. مثلث الرعب لدى الطالب واهله والادارة التربوية: البصم والعلامة وترتيبه في الصف.
ثم مَن مِن طلابنا يحب المدرسة؟ كيف يتولد عند طلابنا كره المدرسة ويكاد يكون هذا بالإجماع، ويتولد عن ذلك كره القراءة والتعليم وصناعة حاجز اسمنتي سميك بين الطالب والكتاب فما إن ينهي تعليمه الرسمي حتى يرمي يمينا بالطلاق على القراءة وكل ما له علاقة بالكتاب. وكيف اذا فتح له باب في اليوتيوب فما القوة التي ستعيده الى القراءة؟
الخطوة الاولى تغيير جذري في طرائق التعليم في مدارسنا.. كيف يحب طلابنا مدارسهم؟ ومعلميهم والكتاب والقراءة؟ هذا أهم من حشو المعلومات في رؤوسهم. في ورشة عمل تربوية سأل المحاضر عن اشياء جميلة تتذكرها في طفولتك؟ كنا ثلاثين: شرّقنا وغرّبنا وذكرنا اشياء كثيرة. لم يذكر احد منا المدرسة..
ويأتي دور الاهل في ان يكونوا قدوة لابنائهم في مسألتين: القراءة اليومية وادارة الوقت ثم مأساة العطلة الصيفية ومن سماها عطلة.. كيف نجيز لانفسنا ان نعطل ابناءنا فصلا من اربعة فصول.. هناك اسئلة كثيرة على هذا التفريز لعقول ابنائنا فصلا كاملا، وكذلك لا بد لدور للمساجد والمراكز الثقافية والمكتبات العامة.. وهناك اسس فلسفية تربوية يجب ان نوليها اهتمامنا في اعادة صياغة الخطط والبرامج: ان نعود للسؤال الاساس: لماذا نقرأ؟ ومن خلال الرؤية الفلسفية بربط ذلك مع العقيدة التربوية ودور الايمان وحسابات الاخرة ورصيد الحسنات ورقابة الذات.. هذه تجعل للامر ارادة ذاتية ودافعية تعلمية مستفيدة من قوة الايمان وقوة حضور هذه العقيدة التربوية لدى الانسان المؤمن.. وهذه من المفترض ان تتضافر الجهود عليها من قبل (البيت والمدرسة والمسجد)، فاذا انشأنا انسانا مؤمنا بربه مرتبطا بقضيته فاننا كأننا زرعنا محركا قويا لكل ما هو ايجابي في حياته وقدرة عالية للتخلص من كل ما هو سلبي.. وتأتي هنا القراءة من هذه العادات الايجابية لتصبح بالفعل فلسطين تقرأ لا بالقول والشعار.. الثاني سهل ولكن الاول هو ميدان التخطيط والعمل.