اغتيال الشهيد خالد البطش الذي يمثّل كفاءة عربية فلسطينية في ماليزيا على يدي الموساد «الإسرائيلي» لم يكن الاغتيال الأول ولن يكون الأخير للكفاءات العربية، حيث تعتبر هذه الاغتيالات إلى جانب الاغتيالات السياسية للقادة الفلسطينيين وبعض العرب، سمة من سمات إقامة ووجود الدولة «الإسرائيلية» على أرض فلسطين العربية في منطقتنا. فالشهيد غسان كنفاني لم يكن أكثر من كاتب وإعلامي.
وحول اغتيال الشهيد البطش قال أحمد زاهد حميدي نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الماليزي: «إن منفذَي عملية اغتيال العالم الفلسطيني في كوالالمبور، هما على صلة باستخبارات أجنبية»، في حين اتهمت الفصائل الفلسطينية وعائلة الشهيد المخابرات «الإسرائيلية» باغتياله. وأضاف حميدي: «إن بلاده ستطلب من الشرطة الدولية (الإنتربول) تتبع منفذَي اغتيال البطش البالغ من العمر 35 عاماً».. واستطرد قائلاً: «إن البطش بات هدفاً لدولة معادية لفلسطين». وكان أكد قبل ذلك أنه أمر الشرطة بإجراء تحقيق شامل في القضية، بما في ذلك الحصول على مساعدة الإنتربول وجهاز الشرطة الإقليمي لرابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) وأجهزة أمنية أخرى.
منذ إنشاء دويلة «إسرائيل» مع حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة، على رأس جدول أعمالهما اغتيال العلماء العرب (بمن فيهم الفلسطينيون بالطبع)، فما أكثر من اغتيلوا، ومنهم: د. علي مصطفى مشرّفة (آينشتاين العرب) عام 1950، د. سميرة موسى عام 1962 في ديترويت، د. عبير عياش (لبنانية) 1973 اغتيلت في باريس، د. نبيل القليبي 1975، د. يحيى المشّد 1980، د. نبيل أحمد فليفل 1984، د. سلوى حبيب مؤلفة كتاب «التغلغل الصهيوني في إفريقيا»، د. جمال حمدان أهم جغرافي عربي مصري مؤلف كتاب «انثروبولوجيا اليهود» الذي يثبت فيه أن يهود اليوم لا يمتون بصلة إلى يهود الأمس، د. رمال حسن رمال (لبناني) 1991 في فرنسا. كلّ الذين سبقوا يشكلون جزءاً ضئيلاً من الذين اغتالتهم «إسرائيل» على مدى تاريخ إنشائها القسري.
من زاوية أخرى، لوحظ أن أحد الخطوط الاستراتيجية الأمريكية من احتلال العراق هو إفراغ هذا البلد من علمائه بكل طريقة ممكنة، فقد سبق للصحفي مارك كلايتون المحرر في صحيفة «كريستين ساينس مونيتور» أن كتب مقالة قال فيها: «إنني أحذر من العقول المفكرة التي تقف وراء المخزون العراقي من الأسلحة»، وبعد أن قدّم لائحة بعدد من علماء العراق الذين تدربوا في الولايات المتحدة استطرد قائلاً: «إن هؤلاء العلماء والفنيين أخطر من أسلحة العراق الحربية، لأنهم هم الذين ينتجون هذه الأسلحة». ولهذا صدر قانون أمريكي لتهجير علماء العراق، حيث أقر الكونجرس مباشرة بعد الاحتلال الأمريكي لهذا البلد العربي، قانوناً حمل عنوان «قانون هجرة العلماء العراقيين» ينص على منح العلماء العراقيين الذين يوافقون على تقديم معلومات «ذات مصداقية» بشأن برامج الأسلحة العراقية تصريح إقامة دائمة في الولايات المتحدة.
الخطة الأمريكية اعتمدت ثلاثة خيارات، الأول قانون يقضي بإعطاء العلماء الذين يوافقون على إفشاء معلومات مهمة عن برامج بلادهم التسليحية بطاقة الهجرة الأمريكية الخضراء ووعدهم بآفاق بديلة أكثر إشراقاً، ثم كان القرار الأممي 1441 الذي أصرت واشنطن على تضمينه بنداً باستجواب العلماء العراقيين. يتمثل الخيار الثاني في تصفية العلماء من الذين وردت أسماؤهم في قوائم مفتشي الأسلحة الدوليين وعناوينهم والأبحاث التي يعملون عليها، من خلال اعتقالهم أو قتلهم. أما الخيار الثالث فيتمثل في الاستهداف المباشر وغير المباشر، ويقوم على فلسفة المزاوجة بين الخيارين السابقين أي الاحتواء أو تصفية من يرفض الإغراءات الأمريكية.
من الطبيعي أن توجّه أصابع اغتيال البطش إلى دويلة «إسرائيل»، وهي صاحبة الباع الطويل في هذا المضمار، ولا سيما أن الوزير الأكثر تطرفاً في الحكومة «الإسرائيلية» يوآف غالانت قال في تصريح له (مباشرة بعد اغتيال الشهيد البطش) «بأن «إسرائيل» ستطارد كل واحد يهدد أمنها.. حتى لو كان في نهاية العالم». معروف أن إحدى قواعد الأمن في دويلة الاحتلال تتمثل في اتخاذ الإجراءات الوقائية التي تهدد أو قد تهدّد الأمن «الإسرائيلي». من هنا كان ضرب المفاعلات النووية في العراق وسوريا، وتفكيك المفاعل في ليبيا.
إن جزءاً مهماً من هذا المبدأ هو اغتيال العلماء العرب، وهذا ما تحرص دويلة «إسرائيل» على تنفيذه أولاً بأوّل.