حيث إن الدول العربية خرجت من حرب عام 1948 معترفة بإسرائيل، فقد قررت إنهاء حالة الحرب معها نهائيًا، ولذلك وقعّت مع إسرائيل وبإشراف من الأمم المتحدة برتوكول لوزان 11/5/1949م الذي نصّ على فضّ النزاع على أساس التقسيم، فقد قررت هذه الدول الانهزامية تنصيب قيادة للشعب الفلسطيني تكون تحت سيطرتها، فكان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964م. ولمّا أدرك أحمد الشقيري اللعبة العربية، تمرد عليها، فاضطروه بشكل ما للاستقالة وفتحوا الطريق أمام الفصائل الفدائية لاستدراجها إلى منظمة التحرير، فأن تكون هذه الفصائل تحت السيطرة العربية خيرٌ من أن تبقى خارجها تفعل ما تريد.
دخلت الفصائل الفدائية منظمة التحرير وهي تعتقد أنها بذلك تقوم بتثوير المنظمة التي لطالما اتهموها بالرجعية والارتباط بالأنظمة العربية، وما هي إلا بضع سنوات حتى كادت المنظمة أن تعترف بقرار 242 في عام 1977م من خلال اتصالات سرية مع وزير الخارجية الأمريكي سايروس فانس، لولا أن زيارة السادات لإسرائيل قطعت عليهم مسعاهم، رغبةً من السادات في تحقيق السبق، واضطرت منظمة التحرير أن تلتزم الموقف العربي العام فتقاطِع مصر علنًا، وتتواصل معها سرًّا، حتى قادتها الظروف المدبَّرة، وخصوصًا بعد إخراجها من لبنان إلى الدخول إلى معترك العملية السياسية وإعلانها نبذها للإرهاب والاعتراف بالقرارات الدولية وعلى رأسها قرار 242، والاعتراف بحق جميع دول المنطقة العيش بأمان وكل ذلك كان إشارات للاعتراف بإسرائيل لينتهي الأمر فعليًا بالاعتراف الرسمي بإسرائيل في رسالة ياسر عرفات إلى رابين في 9/9/1993م والتي تعهد فيها بشطب مواد الميثاق الوطني التي تتعارض مع هذا الاعتراف، وتم شطب وتعديل معظم مواد الميثاق الوطني في عام 1998م.
إن مشكلة منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تدركها معظم الفصائل الفلسطينية، أنها انعكاس للإرادة العربية الحارسة لإسرائيل، وليست انعكاسًا للإرادة الفلسطينية التي تريد استعادة أرضها وحقوقها.
تدرك قيادة منظمة التحرير هذه الطبيعة للمنظمة ولذلك هي لا تُلقي بالًا لأية لإرادة فلسطينية ولا لأية اعتراضات أو مطالب فلسطينية، وهي تدرك عدم رغبة النظام العربي في إصلاح المنظمة ورفضهم القاطع لدخول فصائل جديدة إلى هذه المنظمة، يرون فيها ستفسد عليهم مخططهم الذي نجحوا فيه، وهو تحقيق الاعتراف بإسرائيل بأيدي فلسطينية، الأمر الذي يبرّئ هذا النظام العربي من تهمة الخيانة والتفريط.
إن جهود بعض الفصائل لدخول منظمة التحرير، ومنها حركة حماس والتي بدأت حوارها مع المنظمة منذ 1990م ولم تفلح حتى عام 2018م من تحقيق شيء من هذا الدخول ولا بأي شكل من الأشكال. وكل ما صنعته قيادة المنظمة من اتفاقيات وقرارات نظرية إنما هي مجرد ملهاة لكسب الوقت وللحيلولة دون قيام حماس وغيرها من الشروع في البحث عن البديل، والذي من شأنه أن يفسد على النظام العربي مخططه التصفوي.
إن القول الفصل في مسألة إصلاح منظمة التحرير ودخول فصائل جديدة إليها كحماس والجهاد الإسلامي وغيرها هو ما يلي:
1. النظام العربي وأذنابه في قيادة المنظمة لن يسمحوا بإصلاح المنظمة ودخول فصائل جديدة إليها ترفض الاعتراف بإسرائيل.
2. إنّ تمسّك حماس والجهاد الإسلامي بخيار المقاومة المسلحة وعدم الاعتراف بإسرائيل سيبقيهما دومًا خارج المنظمة، فهذه المنظمة أُنشئت _كما قال جمال عبد الناصر في عام 1965م: "للتعامل مع هذه القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن الفلسطيني".
3. يستحيل إصلاح المنظمة أو دخول فصائل مقاوِمة إليها.
4. يجب وضع حد نهائي لموضوع المنظمة التي مضى على تأسيسها 54 عامًا، وتناقضت تمامًا مع منطلقاتها وشعاراتها الأولى. وآن أوان استبدالها كأي هيئة قيادية للشعب الفلسطيني سبقتها، حيث هناك 4 هيئات سبقتها ما بين 1920_ 1948م.
5. إن أي جهد فلسطيني يُبذل في سبيل إصلاح منظمة التحرير ومحاولة دخول فصائل المقاومة إليها إنما هو عبث ومضيعة للوقت. وبعد هذه النصيحة فإن التاريخ لن يرحم، وستصبح النوايا موضع شك ونظر.