فلسطين أون لاين

المجلس الوطني.. حرف البوصلة عن أهداف التأسيس

...
غزة - مريم الشوبكي

يضع المجلس الوطني سياسات منظمة التحرير ويرسم برامجها الرامية إلى نيل الحقوق الفلسطينية في الحرية والكرامة، لكن هذا المجلس مر بمحطات متعددة، كان آخرها دعوته إلى الانعقاد دون توافق، تحت حراب الاحتلال في رام الله.


وتخلل تلك المحطات تغيرات في مسار النضال الفلسطيني، منها قبول منظمة التحرير التسوية مع الكيان العبري.


يذكر المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات د. محسن صالح أن المجلس الوطني اجتمع عام 1964م، وهذه كانت محطة دخول حركات فدائية فلسطينية وسيطرتها على المجلس، قبل أن يعاد تشكيله في 1968م.


ويبين صالح لصحيفة "فلسطين" أنه في شباط (فبراير) 1969م عقدت الدورة الخامسة للمجلس في القاهرة، وفيها انتخب ياسر عرفات رئيسًا لمنظمة التحرير الفلسطينية.


يقول: "في 1974م عقدت دورة للمجلس كان من أبرز محطاتها إقرار البرنامج السياسي المرحلي لمنظمة التحرير أو (النقاط العشر)، الذي أقر أول مرة أن يكون الكفاح المسلح وسيلة رئيسة للتحرير من الاحتلال الإسرائيلي، وليس الوسيلة الوحيدة".


ودورة 1983م (والكلام لا يزال لصالح) كانت البداية نحو الميل إلى مسار التسوية، خاصة ما عُرف آنذاك بمبادرة الملك فهد.


وأعلن المجلس الوطني في دورته عام 1988م في الجزائر قيام "دولة فلسطين"، واعترف أول مرة بقراري الأمم المتحدة 242 و338، فكان الاعتراف الضمني بالتقسيم.


ويذكر المدير العام لمركز الزيتونة أنه في دورة 1991م للمجلس الوطني أقر ما جاء في مؤتمر مدريد.


ويلفت إلى أنه في دورة 1996م عقد المجلس في غزة بعد دخول السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وبغرض تحقيق "القبول الإسرائيلي" حذفت المواد الآتية:


(المادة 2): تشكل فلسطين في حدودها خلال الانتداب البريطاني وحدة إقليمية غير قابلة للتجزئة.


- (المادة 9): الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للوصول إلى تحرير فلسطين، ويؤكد الشعب العربي الفلسطيني عزمه المطلق وقراره الحازم بمتابعة الكفاح المسلح وتحضير ثورة شعبية مسلحة لتحرير بلده والعودة إليه.


- (المادة 16): تحرير فلسطين هو من وجهة النظر العربية واجب وطني يهدف إلى إلقاء الصهيونية من فلسطين.


- (المادة 19): تقسيم فلسطين في عام 1947م وإقامة "دولة" (إسرائيل) هما غير قانونيين كليًّا، أيًّا كان الوقت الذي انقضى، لأنهما مناقضان لإرادة الشعب الفلسطيني ولحقه الطبيعي في وطنه.


- (المادة 20): كما أن اليهود لا يشكلون أمة واحدة لها هويتها الخاصة، وإنما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها.


- (المادة 22): الصهيونية حركة سياسية مرتبطة عضويًّا بالإمبريالية العالمية ومناقضة لأي عمل تحريري وأي حركة تقدمية في العالم، إنها عرقية ومتعصبة بطبيعتها، وعدائية وتوسعية واستعمارية في أهدافها، وفاشية في نهجها.


يقول صالح: "إنه في آب (أغسطس) 2009م عقد مؤتمر غير عادي في رام الله لـ"ملء الفراغات"، لكن هذا المؤتمر لم يكتمل فيه النصاب، وكان معقودًا تحت حراب الاحتلال".


ومن المفترض أن يعقد المجلس الوطني كل عام حسب ما أقر منذ تأسيسه، ولكن هذا لم يحدث، وقراراته باتت مرتبطة باتفاق أوسلو، ومن ذلك إلغاء الدور الفعلي لمنظمة التحرير، وفق حديثه.


مخاطر

وفيما يتعلق بمخاطر انعقاد "الوطني" في رام الله نهاية الشهر الجاري يبين صالح أن من المفترض أن ينعقد المجلس بموافقة كل الفصائل الفلسطينية وفق ما اتفق عليه في بيروت العام الماضي، فلا يعقد إلا بإجراء انتخابات في الداخل والخارج.


ويقول: "إصرار حركة فتح على عقد المجلس بقرار متفرد تعميق وتكريس للانقسام الفلسطيني، ومحاولة فرض وهيمنة فصيل واحد".


ويؤكد أن عقد المجلس في رام الله يعمل على إبقاء حالة الضعف والتشرذم في منظمة التحرير والساحة الفلسطينية بوجه عام، وتعميق انعدام الثقة المتبادلة بين الأطراف.


ويشدد على أن ذلك يعني إضعاف القدرة على مواجهة مشروع تصفية قضية فلسطين، التي تدعي حركة فتح أنها تعقد المؤتمر من أجل مناقشتها، "لذا عليها أولًا أن تتوحد مع الفصائل جميعًا، وألا تهيمن وتستأثر بالمجلس"، والحديث لصالح.


من جهته يبين أستاذ التاريخ د. عصام عدوان أنه في عام 1964م أعلن تشكيل منظمة التحرير، وكانت المحطة البارزة الثانية عند عقد الدورة الرابعة عام 1968م إذ قلص عدد أعضاء المجلس الوطني من 460 إلى 100 عضو، ودخلت فصائل فلسطينية ضمنهم، واستطاعت حركة فتح آنذاك تغيير الميثاق القومي إلى الميثاق الوطني الفلسطيني.


ويقول عدوان لصحيفة "فلسطين": "دورة عام 1983م كانت محطة بداية حركة الانشقاقات في حركة فتح، وعقدت في الجزائر في محاولة لرأب الصدع الفلسطيني، ولكنها لم تفلح بإنهاء حالة الانقسام داخل الحركة".


يضيف: "إن دورة 1988م عقدت في الجزائر أيضًا، وأعلن رئيس المنظمة آنذاك الدولة الفلسطينية من المنفى، ومشروع العيش بـ"سلام" مع دول المنطقة".


ويبين أنه في 1991م عقدت دورة للمجلس، وأقرت الموافقة على الذهاب إلى مؤتمر مدريد للتسوية، مع اعتراض بعض الفصائل، مثل: الجبهة الشعبية من داخل المنظمة، وحركة حماس من خارجها.


ويذكر عدوان أنه في 1996م عقد اجتماع لـ"الوطني" في غزة من أجل إجراء تعديل على الميثاق الوطني الفلسطيني ليناسب اتفاقية التسوية، ولم يكتمل النصاب فيه قانونيًّا، ومنح آخرون العضوية بطريقة غير قانونية للتغلب على ذلك، وبذلك أقر الحاضرون تعديلات ميثاق المجلس في 1998م.


ويقول عدوان: "الآن يدعى لعقد المجلس الوطني في ظل معارضة فلسطينية واضحة، ووفاة أعضاء كثر، واستقالة أعضاء آخرين، واعتذار عدد من الأعضاء عن عدم الحضور بسبب المرض".


ويبدي استغرابه "استفراد" حركة فتح بالمجلس الوطني، مبينًا أن حجم التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية تستدعي عقد مجلس وطني يوافق عليه الكل الفلسطيني.


وأعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عدم المشاركة في اجتماع المجلس الوطني المقرر عقده في 30 من الشهر الجاري، لتنضم بذلك إلى حركتي المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي في عدم المشاركة في هذا الاجتماع.


وكانت اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني شددت في ختام اجتماعها ببيروت مطلع العام الماضي على ضرورة عقد المجلس "على أن يضم الفصائل الفلسطينية كافة"، وفقًا لإعلان القاهرة (2005م) واتفاق المصالحة (4 أيار (مايو) 2011م)، بالانتخاب أو التوافق، لكن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قررت خلال اجتماع برئاسة عباس عقد "الوطني" دون توافق فلسطيني.


يشار إلى أن "الوطني" الذي أسس عام 1948م عقد 22 دورة فقط، مع أن نظامه الأساسي ولائحته الداخلية ينصان على أن يعقد مرة كل عام، ويمكن أن يعقد في العام الواحد أكثر من دورة لظروف استثنائية، وكان آخر انعقاد للمجلس في آب (أغسطس) 2009م برام الله.


ويسود اعتقاد على نطاق واسع بأن عقد المجلس الوطني دون توافق حرف للبوصلة عن الأهداف التي أسس من أجلها.