فلسطين أون لاين

​بعد "مسير العودة".. قدم "أبو الحسن" سبقته "إلى الجنة"

...
غزة - مريم الشوبكي

أتذكرون "علي أبو الحسن"؟! "مجاكر" جنود الاحتلال الإسرائيلي على "شارع جكر" الذي قطع الشارع ذهابًا وإيابًا مشيًا على الأقدام في رحلة سماها "مسير العودة" مع رفيق دربه "طلال الصانع" بدءًا من مخيم العودة على الحدود الشرقية لرفح جنوبا حتى بيت حانون شمالا.

نشرت "فلسطين" حوارًا مع أبو الحسن عن "مسير العودة"، وبعد أيام، تفاجأت بـ"أبو الحسن" ممدا على أحد الأسرة أثناء تنقلها بين أسرّة المصابين في مجمع الشفاء الطبي، قابلني بابتسامة تمددت خطوطها في لحية الوقار البيضاء، قائلا "الحمد لله قدمت قدمي في سبيل الدين والوطن".. فما الذي حدث؟ وكيف أصيبت الرجل؟.. بقية القصة في السطور التالية..

هدية الميلاد

"أبو الحسن" (62 عاما) أصيب في قدمه، أثناء مشاركته في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار يوم الجمعة الذي وافق 13 من أبريل الجاري، على الحدود الشرقية لمخيم البريج.

يقول أبو الحسن الذي يقطن في النصيرات: "اعتدت على التواجد في مخيم العودة في شرق البريج بشكل شبه يومي، وكما كل جمعة شاركت في المسيرة وجلست في مكان اعتقدت أنه آمن، حيث خلفي ساتر من (الزينكو) وأمامي شبان يشعلون إطارات الكوتشوك، والمسافة بعيدة عن السياج الحدودي".

ويضيف بابتسامة لم تفارق محياه: "وما هي إلا دقائق حتى أصيبت قدمي اليمنى برصاص حي متفجر، ما أدى إلى تهتك (السمانة) بشكل كامل، ورغم خطورة وضعي الصحي لم أغِب عن الوعي، وظلّ لساني يلهج بذكر الله وقراءة القرآن، وحينما وصلت المستشفى انخفض ضغط الدم بشدة، فخاف الأطباء على حياتي، فقرروا بتر قدمي".

بُترت قدم "أبو الحسن" في يوم الجمعة الذي صادف يوم ميلاده الثاني والستين، والأمر بالنسبة له هدية من الله عز وجل في هذا اليوم، بأن يسبقه جزء من جسده إلى الجنة.

استهداف

"ربما أكون قد استهدفت".. يعود بهذه الكلمات إلى ثلاثة أيام سبقت إصابته، ولم يكن خلاله يحمل مقلاعًا ولا حتى حجرًا، فأثناء "المسير" أطلق جنود الاحتلال الرصاص في الهواء لترويع الصديقين حتى لا يكملا رحلتهما.

في لحظة إصابة "أبو الحسن" كان ابنه على مقربة منه يصور الأحداث بهاتفه النقال، ليصرخ "أبوي.. أبوي" متفاجئا من وجود والده من بين المصابين.

"كنا ندرك حجم المخاطرة التي نقوم بها حينما سلكنا هذا الطريق، ورغم البتر إلا أن هذا الأمر أدخل السعادة على قلبي؛ لأنني قدمت جزءًا من جسدي في سبيل الله" وفق أبو الحسن.

وثباته وإيمانه بأن أمره كله له خير، ظهرا جليّا في مقطع فيديو سجله له أبناؤه بينما كان في غرفة العمليات يلقي الخطب، ويتلو القرآن، رافعًا سبابته.

ويقول: "الدين والوطن يحتاجان لتضحية، الأقصى يحتاج لرجال، وفي طريق التحرير لا بد أن تراق الدماء بسقوط شهداء وجرحى".

وعند سؤاله عن رد فعله الأول حينما عرف ببتر قدمه، ردد: "في سبيل الله نمضي نبتغي رفع اللواء فليعد للدين مجده وليعد للدين عزه ولتُرَق منّا الدماء".

"أبو الحسن" لا يؤمن أن سنّ الستين هو سنّ التقاعد والراحة، وهو معتاد على ممارسة الرياضة، وبعد بتر قدمه يرفض الاستسلام، قائلا "سأُركّب طرفًا صناعيًا وأعود لأمارس حياتي كما كانت كأن الإصابة لم تكن".