فلسطين أون لاين

​في الجمعة الرابعة.. الغضب الجماهيري يتصاعد شرقًا

...
مواطن يرشق الحجارة على جنود الاحتلال المتمركزين على الحدود الشرقية لمدينة خانيونس أمس (تصوير / رمضان الأغا)
غزة - يحيى اليعقوبي

قرب السياج الفاصل شرق مدينة غزة.. جنود الاحتلال يختبئون في ثكناتهم ينظرون إلى آلاف الجماهير المشاركين في مسيرة "العودة الكبرى" من فوق التلال الرملية أو نظارات سوداء لا تظهر سوى رؤوسهم، الجموع تندفع نحو الشرق أكثر كأن الرياح تدفعهم أو حلم عودتهم، خرجوا من بين الدخان الأسود المتصاعد إلى السماء واقتربوا من السياج الفاصل، تفقدوا بعضهم.. بكوا، اختنقوا، هربوا من رصاص لا يرحم وقنابل غاز تسبب الاختناق.

بعضهم يجلس على تلال صغيرة يراقب ما يحدث، والبعض يحتمي تحت ظل الأشجار؛ سيارات الإسعاف المنتشرة تنقل الإصابات، نقلت الخيام للأمام واقتربت أكثر من الجنود وضربت أوتادها في الأرض، دخل الناس خيامهم .. امتلأت الخيام بالناس والمسعفين، وامتلأ المكان شرق مدينة غزة بالحشود والآلاف من الأطفال، والشباب، والنساء.

وسط تلك الجموع نظرت عيدة البطريخي حولها تتفقد بناتها، فالكل ابتعد خوفا من الاختناق، بعد أن التقطت أنفاسها وتفقدت أبناءها تحدثت لمراسل صحيفة "فلسطين" قائلة: "مهما فعل بنا الاحتلال ستبقى معنوياتنا عالية ولن نركع إلا لله".

لقطات ومشاهد

مشهد الطائرات الورقية "الحارقة" كان سائدا.. الشبان يطلقون طائرة تلو الأخرى، تمر فوق الدخان المتصاعد من حرق إطارات السيارات، وكذلك من فوق أعين جنود الاحتلال.. مشهد يسعد المشاركين في مسيرة العودة، ويزعج جنود الاحتلال ومستوطنيه.

المسعفون منتشرون كجيش طبي، فرق طبية تابعة لوزارة الصحة والكثير من الفرق تطوعية، الجميع يشارك بنقل الإصابات، أحدهم أحمد الراعي الذي قال لـ"فلسطين": "وجودنا ومشاركتنا هما لمساندة ودعم الفرق الطبية في الميدان، رغم الخطر الذي قد يلحق بنا، فأحد متطوعينا أصيب بشكل مباشر في قدميه، ورغم أن ذلك يعرض حياتنا للخطر لكن عملنا الإنساني يجبرنا على النزول للميدان ومساندة الطواقم الطبية".

"مشاركتي واجب وطني وديني بهذه المسيرة، حتى تكون نتيجتها العودة الكاملة"، بهذا اختصر الخمسيني معين أبو عجوة حديثه لـ"فلسطين"، وإلى جواره وقف الشاب أحمد جندية، وقال وهو يشير بيديه إلى المشاركين: "انظر، إنهم يزدادون انتماء ومشاركة وأعدادًا، ومهما يصيبنا ويقتلنا الاحتلال سنظل متمسكين بأرضنا".

في زاوية أخرى من مخيم العودة، سجن يضم بداخله أربعة أسرى من جنود الاحتلال في قطاع غزة، وبجانبه لوحة تضم صور مجموعة من الأسرى الفلسطينيين (أحمد سعدات، إسراء الجعابيص، عهد التميمي، نائل البرغوثي، مروان البرغوثي، حسن سلامة)، تذيلها عبارة باللغتين العربية والعبرية "أسرانا أولا " في رسالة تحدٍ على مقربة من جنود الاحتلال.

رسائل صمود

أما هنا فتشعر الحاجة الخمسينية أم عبد الرحمن شحادة بسعادة لأنها استطاعت القدوم والمشاركة في هذه مسيرة العودة للجمعة الرابعة، فبينما هي كذلك كانت سلفتها "أم علي" منشغلة في تعبئة زجاجات المياه كي تروي الشبان الذين يتقدمون التظاهرة حيث يتواجد بينهم نجلها المصاب والذي أصر على المشاركة.. تنظر نحو الشرق باتجاه الأراضي المحتلة قائلة "انظر، أليس من الظلم ألا تعود هذه الأراضي لنا".

رغم تهديدات وقتل الاحتلال إلا أن الجموع تزداد كل جمعة، ما السبب برأيك؟ سؤال طرحناه على محمد أحمد (47 عاما) الذي اصطحب طفليه إلى السياج الفاصل شرق مدينة غزة، فرد بالقول: "إن هذا دليل على أن الشعب لا يخاف من تهديدات الاحتلال، وأنه مصر على المواصلة في مسيرة العودة، فالأعداد في تزايد".

بعد أن التقطت الحاجة رجاء السوافيري (68 عاما) صورة لمشاركتها الأولى في المسيرة، قالت: "جئت وفاء لروح نجلي الشهيد سامح السوافيري (..) هذه أول مشاركة لي ولست خائفة".

لم يكن مشهد الحشد الجماهيري الذي قدر بعشرات الآلاف بأقل من الحشود التي شهدتها الجمعة السابقة، عيونهم ترسم لوحة من صمود وتحدٍ. كانت رسائل التحدي واضحة في ثباتهم، في تواجدهم، في حضورهم، وتقدمهم نحو السلك الفاصل دون خوف ودون الاكتراث لتهديدات الاحتلال.