فلسطين أون لاين

أسيرة للمرة الثالثة

"بشرى الطويل".. حُكم بالقضاء على مستقبلها والتُهمة "ملف سري"

...
غزة - مريم الشوبكي

جاء صوت الضابط الإسرائيلي صارخاً مبدداً سكون ساعات الفجر "بدنا المصاري"، ليأتي الرد من منتهى "المصاري هاي قرض والأوراق معي"، يجادلها بنبرة المتحدي "هاتي أوراقك ولاقيني عند القاضي".. كان ذلك مشهد أثناء اقتحام جنود الاحتلال منزل الصحفية بشرى الطويل لاعتقالها.


وفي يوم المحكمة، سأل القاضي الإسرائيلي، الضابط: "هل هناك أوراق ضد بشرى؟"، فأجاب: "لا، هناك ملف سري"، ليرد القاضي: "لماذا اعتقلتها إذاً؟".. هنا أخرجت "منتهى" أوراقها رافعة يدها ليأذن لها القاضي بالتحدث، قائلة: "الضابط قام بتفتيش المنزل، ولم يعطني ورقة بما صادره".


ملف سري

تفاصيل أكثر، تحدثت بها والدة الأسيرة بشرى "منتهى الطويل" لصحيفة "فلسطين" عن ظروف اعتقال قوات الاحتلال ابنتها للمرة الثالثة دون توجيه تهمة لها تحت بند "ملف سري".


تعود بالذاكرة ليوم اعتقالها، فجر الأربعاء، الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، حين اقتحم جنود الاحتلال المنزل لاعتقال ابنتها، بعد ورود معلومة لهم عن وجود مال معها، حيث قاموا بتفتيش المنزل والاستيلاء على مبلغ مالي، فيما اعتقلوا بشرى.


الصحفية بشرى ذات الـ(24 عاماً)، تقطن في حي أم الشرايط في البيرة بالضفة الغربية المحتلة، تحتضنها جدران السجن الباردة للمرة الثالثة، بعد أن أصدر "القائد العسكري" أمر اعتقال إداري بحقها بتاريخ 6/11/2017، لمدة ستة شهور، وخلال جلسة التثبيت قرر القاضي العسكري تخفيض المدة لأربعة شهور.


ومع ذلك، تم تجديد أمر الاعتقال الإداري لبشرى أربعة شهور أخرى في شباط/ فبراير 2018 تقضيها في سجن "هشارون".


مشروعها الخاص

"المبلغ المالي" الذي ساق جنود الاحتلال لاقتحام بيت "بشرى" لاعتقالها، اقترضته من أجل "بدء مشروعها الخاص باقتناء كاميرا خاصة بتصوير المناسبات الاجتماعية"، هكذا قالت والدتها، مضيفة "الاحتلال يرصد مع أعوانه كل أمر لأنه لا يريد أن يترك فرصة لأي فلسطيني أن يبني مستقبله".


ولم يقدم الضابط المسئول عن الاقتحام تقريراً لدائرة التحقيق بالأشياء التي تم الاستيلاء عليها، لذا اعتبرت عائلة الطويل ما قام به "سرقة"، الأمر الذي حدا بهم لتقديم بلاغ ضده، وفوجئوا يوم محاكمة "بشرى" باعتراف المحكمة بالأموال التي استولوا عليها.


وقالت الطويل: "هذا الاعتراف يثبت أن لنا أموالاً لدى الاحتلال، لذا قدمنا بلاغاً مطالبين باستردادها، رغم معرفتنا التامة بأنه سيماطل وسيساومنا عليها، ولكن سننتظر لأن هذا حقنا ولن تنازل عنه".


وبشرى ترتيبها الثانية بين الأبناء، وتصفها والدتها بأنها وحيدتها "المدللة بروح البيت"، فهي "معطاءة حنونة، دائما تحمل هم غيرها، تعيش للناس ومعهم".


انتزع الاحتلال أيام الفرح التي كانت تحياها "بشرى" وحولها إلى غصة تقاس مرارتها خلف القضبان، فقبل أيام احتفلت العائلة بحفل زفاف نجلها، لكنها كانت هي "نجمة الحفل!".


لم تسلم بشرى من أسئلة المحققين: "ليش جاي معازيم هالقد؟!"، متعجبين من أعداد المهنئين الذين شاركوا عائلتها فرحتهم.. تعقّب والدتها: "الأعداد ترعبهم، يعتبرون ما حدث استفتاء شعبي لمحبي حركة حماس".


تضيف ضاحكة: "نريد هذه المرة أن نغير الأسطوانة، حيث تعودنا منذ سنوات أن نستقبل المهنئين بالإفراج تارةً عني حيث اُعتقلت عام 2010، وتارةً عن زوجي، وتارة أخرى عن بشرى، لكن هذه المرة أتوا مهنئين فرحاً بزفاف ابني".


للمرة الثالثة

تركت "بشرى" فراغاً في منزلها بعد اعتقالها، ولم يكن فراقها سهلاً على والدتها التي تحاول أن تظهر تماسكها لأخوتها حتى لا تهتز معنوياتهم، وتسهب: "فراق ابنتي الوحيدة ليس سهلاً، ولكن أتعالى على جراحي، وأتمنى لو أن باستطاعتي قضاء أشهر السجن القاسية بدلاً عنها".


وتتابع: "أكتم حزني في قلبي، وأبكي في غرفتي لوحدي، حتى لا يتأثر أبنائي الثلاثة، سيما وأنهم يشعرون بمرارة الفراق، لأنهم كبروا وكانوا بأمس الحاجة لأبيهم الذي كان معتقلاً لدى الاحتلال".


ومن الطبيعي لأي عائلة الحق في الاطمئنان على نجلها في الأسر، لكن ذلك غير متاح لعائلة "الطويل" المحرومة من زيارة ابنتها في كل مرة تُعتقل فيها، ومع ذلك تواصل العائلة تقديم طلباتها بالزيارة ولا يكل الاحتلال البغيض من الرفض.


وتعود "منتهى" بالزمن إلى سبع سنوات خلت، تسرد فيها بدايات الاعتقال الأولى لبشرى عام 2011، حينما اقتحم جنود الاحتلال البيت لاعتقالها، فاستوقفهم والدها وقال مستغرباً: "ربما أتيتم لاعتقالي وليس اعتقالها"، فرد عليه الضابط: "لو كان الأمر بيدي لاعتقلتكم جميعاً".


بعدها أُطلق سراح "بشرى" في صفقة وفاء الأحرار بالدفعة الثانية، ليعاد اعتقالها مرة أخرى في 2 يوليو/ تموز 2014، لتستكمل ما تبقى من حكمها السابق، فيما تم إطلاق سراحها في 17 مايو/ أيار 2015.


ولم تكتفي قوات الاحتلال بمواصلة اعتقال "بشرى"، بل اعتقلت والدها منتصف الشهر الجاري.


"بشرى" ما زالت قيد الاعتقال الإداري، والتهمة الجاهزة بحق أي فلسطيني هي "ملف سري".. إلى متى سيبقى الاحتلال يمارس قوانينه اللاقانونية، ولا قانون إنساني ولا دولي يردعه؟!.