10 سنوات في ظلام زنازين العزل الانفرادي حيث لا تشرق الشمس هناك.
في هذه السجون الاحتلالية، حكم بالسجن المؤبد67 مرة و5200 سنة للأسير عبد الله البرغوثي هذا "الجبل" الثائر الذي يؤرق الاحتلال حتى بعد أسره.
ستبقى كلماته سكينة للأسرى وعائلاتهم ترفع من همهم وتقويهم على احتمال آلام السجن والسجان كيف لا وهو الذي يقول "أعلم بأنني سأنال حريتي قريبا ربما اليوم أو ربما غدا أو بعده ..المهم سأحصل على حريتي وعندما نقرر أن نخرج سنخرج إنها عملية سهلة"، لقد أدهش "أمير الظل" كل من عرفه بذكائه.
عبد الله غالب عبد الله البرغوثي ولد في 1972م، بالكويت، ويقضي حاليا حكماً من أطول الأحكام في التاريخ، لتدبيره عددا من العمليات الفدائية دفاعا عن الشعب الفلسطيني، أسفرت عن مقتل 66 مستوطنا إسرائيليا وجرح أكثر من 500 آخرين، وتم أسره في الخامس من مارس/ آذار 2003م.
"قيثارة"
في آب/ أغسطس 2001م، الانتفاضة كانت مشتعلة، وكانت أفكار المهندس "العبقري" لكتائب القسام هي كذلك مشتعلة في تصنيع العبوات، طلب أمير الظل من بلال البرغوثي أحد أعضاء خلايا القسام في تلك الفترة، كما يروي في كتابه أمير الظل، احضار قيثارة (آلة موسيقى) وحدد له لونها والمحل الذي سيشتريها منه.
لماذا قيثارة؟ يسأل بلال قائده؟ فيرد الأخير بغموض "أريد أن أعزف عليها فأنا أشعر بالملل".
بلال مندهشا من قائده "تريد قيثارة لتعزف عليها وهناك استشهادي ينتظرنا بالبيت الآخر على أحر من الجمر؟" لكنه انصت للأوامر واشترى الآلة وظل أمير الظل يعزف حتى ساعات المساء، اذهب وعد يوم غد باكرا، وما أن عاد بلال باكرا، وقبل أن يلمس بلال القيثارة قال له أمير الظل احذر أن تلمسها بسوء .. ارفعها بحذر، فقال: "أين الحزام الناسف؟" رد قائدهالعبقري "الأحزمة الناسفة كان لها زمنها أم الآن فزمن الألحان الناسفة".
في إحدى المقابلات الصحفية عام 2010، صحفي إسرائيلي يسأل البرغوثي "اذا تم تنفيذ صفقة التبادل (صفقة وفاء الأحرار) هل ستعود لتنفيذ الأعمال التي قمت بها بالسابق؟ يجيب وهو مكبل اليدين والقدمين "ما دام المحتل في أرضي سأقاتل حتى النهاية".
تقلب زوجته فائدة البرغوثي "أم أسامة" وهي تتحدث لصحيفة "فلسطين"دفتر الذكريات وتبدأ من صفحة الصبر قائلة "غياب الأب عن البيت لفترة كبيرة ولا نعلم متى سيخرج هي معاناة تعيش معنا، تحملت تربية الأولاد بعد اعتقاله رغم صعوبتها".
لم يكن هناك تواصل بين أم أسامة وأمير الظل الذي مكث عشر سنوات في زنازين العزل الانفرادي، فهي على مدار 16 عشر عاما من سنوات اعتقاله لم تزره سوى ثلاث مرات، " ما زلت متفائلة بأنه سيأتي اليوم الذي سيكون بيننا" كما تقول.
عبد الله البرغوثي كان له وجه آخر، لا يوجد أفضل من زوجته لوصفه: "كانت كل المواصفات الجميلة موجودة فيه، حنون يحب بيته وأبناءه، كان قريبا جدا لي كان الصديق والزوج".
لم يعرفوه وجها لوجه
2001م، كانت رام الله المحتلة تعيش أحداثا دراماتيكية، قوات الاحتلال تجتاح رام الله، ومن مهامها الأولى البحث عن "المطلوب رقم واحد".
سرد الحكاية لم يتوقف، تقول أم أسامة: "استمرت فترة المطاردة نحو عامين لا أحد يعرف مكاننا، رغم أن الاحتلال اجتاح مدينة رام الله وحاصر المنطقة التي كنا نتواجد بها".
لكن البرغوثي لم يكن مرتبكا وكانت أعصابه هادئة،في إحدى المرات نظر جنود الاحتلال لوثيقته الشخصية ولم يتعرفوا عليه، واحتلوا سطح البناية السكنية التي كان يتواجد فيها هو وزوجته وابنته تالا، وأخرجوا جميع من فيها وكانت الأجواء باردة.
ما يدلل هنا على حنكة البرغوثي أنه ذهب لجنود الاحتلال وجها لوجه وحدثهم باللغة الإنجليزية وطلب منهم أن يصعد ليحضر سترة شتوية لتدفئة ابنته "تالا"، ولم يتعرفوا عليه.
ملأ الشوق قلبها لرؤيته والنظر بتفاصيل وملامح وجهه عن قرب، إلى أن تحقق لها ذلك في عام 2016م بعد سبع سنوات من عدم زيارته، "كنت أريد النظر لملامحه والاطمئنان على صحته ومعنوياته" تعلق على الزيارة الثالثة لها.
45 دقيقة اختصرت سبع سنوات من الألم والبعد والغياب والشوق والحنين، "سنلتقي وسأخرج لا تقلقوا علي أنا طالع إن شاء الله" هذه هي كلمات أمير الظل لعائلته.
وبعد زيارة "أم أسامة" بشهر خرج الأسير البرغوثي من زنازين العزل الانفرادي بسجن ريمون ونقل إلى سجن "جلبوع" في نوفمبر/ تشرين ثاني 2016م، وواصل كتابته وتعليمه الجامعي تخصص تاريخ وتنمية بشرية.
وللبرغوثي نحو 10 مؤلفات حتى اللحظة، منها أمير الظل، الماجدة، فلسطين العاشقة والمعشوق، المقصلة، المقدسي، وشياطين الهيكل المزعوم.