فلسطين أون لاين

​إن عانيت في 2016.. فابحث عن المنحة ولا تسبّ الدهر

...
صورة تعبيرية
غزة - فاطمة أبو حية

ي نهاية العام، ومع استقبال عام جديد، نلحظ الكثير من السخط على ما مضى، والتشاؤم مما هو قادم، فعلى سبيل المثال تجد من يقول إنها كانت "سنة سوداء"، ومن يؤكد أن القادم لن يكون أفضل، هذا رغم أن مجريات العام كلها ليست من صنع السنة التي يسبّها البعض، فهل يدخل هذا في باب سب الدهر والتطير المنهي عنهما في الدين؟

وقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار".

نظرة اعتبار

ويقول الداعية مصطفى أبو توهة: "مما ثبت من آيات الوحي الكريم أن الله تعالى يقلب الليل والنهار من حيث الأحداث والمجريات التي يحويها الزمان، إذ قال عزّ وجل: (يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)، وبالتالي فإن تقلب وتوالي النهارات والليالي ينبغي أن يقف عنده الإنسان العاقل بنظرة اعتبار، والاعتبار هو عبور الإنسان من حالة ووضعية إلى حالة ووضعية أخرى، فالإنسان هو مجموع تلك الساعات والثواني، كما قال أبو الحسن البصري: (يا ابن آدم إنما أنت أيام مجتمعة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك).

ويضيف لـ"فلسطين": "والسنة هي ظرف زماني معنوي، ليس لها تأثير إيجابي ولا سلبي بحد ذاتها، لأن الإنسان هو الذي يضع بصمته ويعطيها لونها ومذاقها وطعمها، فالفاعل الحقيقي للتاريخ والأحداث هو سيد هذا الكوكب الأزرق، أي الإنسان، والذي أعطاه خالقه حرية التصرف، كما قال عزّ وجل: (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير).

وتابع: "الإنسان بحكم جهله وظلمه كما وصفه الله في كتابه: (إنه كان ظلوما جهولا)، فهو يحمّل هذا الظرف المعنوي والمحايد ما خطته يمينه حينما يسب الدهر الذي هو الله تبارك وتعالى في سببه البعيد والإنسان هو السبب القريب من حيث التكليف والاختبار، وهذا الشتم هو تعدٍ واضح وفاضح للذات الإلهية المنزهة عن الظلم وعن الحيف، لكنه الإنسان بعيوبه ونقائصه".

ويواصل أبو توهة: "ومما لا شك فيه أن السنة الماضية والتي ودعناها حملت في طياتها أحداثا صعبة كارثية ومأساوية وهي كوارث قد تكون طبيعية وقد تكون بشرية بفعل الإنسان، وعند الإنسان قصور عن فهم حقائق الأحداث والوقوف عند ظواهرها، وكما قال تعالى: (يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)، فظاهر الأشياء دامٍ، ومكلف للأرواح والأنفس، لكن وما يدريك لعل هذه المحنة قد حملت في طياتها منحة".

ويوضح: "والشدائد ربما تصنع الرجال، فإن النار الحارقة هي التي تجعل من الذهب إبريزا خالصا، والضغط العالي يحوّل الفحم إلى مجوهرات، والعاقل هو الذي يستفيد من الأحداث أيّما كانت"، مذكرًا بقوله تعالى: "أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون".

خارج عن دائرة الدين

وعن التشاؤم من عامٍ جديد، يبين أبو توهة أن الله خلق الإنسان من حيث أصله الإنساني أقرب إلى القنوط واليأس، وقال عن ذلك في كتابه الكريم: "لا يَسأَمُ الإِنسانُ مِن دُعاءِ الخَيرِ وَإِن مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئوسٌ قَنوطٌ"، مشيرا إلى أن "القنوط واليأس هو خارج عن دائرة الدين واليقين، كما قال الله على لسان إبراهيم عليه السلام: (إنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)، وكما قال على لسان يعقوب: (إنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون)".

ويؤكد: "من هنا نقول إن الإنسان المؤمن الذي ارتبط بهذا الدين قرآنا وسنة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتسلل إليه القنوط والتشاؤم وأي من هذه المعاني السلبية، بل على العكس من ذلك، بمعنى أن شعوره دائما متصلٌ بالله عز وجل القائل: (سيجعل الله بعد عسر يسرًا)، والقائل: (إن مع العسر يسرا)، والقائل: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)"، مشددا على أنه لا يمكن أن يحدث في هذا الكون ما يضاد إرادة الله تبارك وتعالى، المحيط بمكر الأعداء، إذ قال: "والله من ورائهم محيط".

ويقول أبو توهة: "الأمل دين، والتفاؤل شرعة، والنظرة الإيجابية سنة نبوية، كما قال عليه الصلاة والسلام لرفيقه زيد: (إن الله جاعلٌ لما ترى مخرجا)، فبقاء الحال من المُحال، وضعيف اليوم هو قوي الغد، كما كان ضعيف الأمس قوي اليوم".