الرضا هو أولى النعم التي يكافئنا بها الله عندما نحسن الصبر, والرضا شرعاً هو تقبل ما يقضي به الله عز وجل من غير تردد ولا معارضة. وهو ارتفاع الجزع في أي حكم كان, ويعرف بأنه سكون القلب إلى أن ما اختاره الله له هو الأفضل. والرضا بالقضاء خيره وشره هو ركن من أركان الإيمان, والراضي بما يقضي الله يرضيه الله في الآخرة, حيث يكون صاحب نفس مطمئنة في الدنيا ويرجع إلى الله راضياً مرضياً بعد الموت.
ارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس
ينبع الرضا من التصالح مع النفس, ومن علمنا بأننا نفعل الصواب، والصواب هو ما يرضي الله وليس العباد، فلا أحد يحظى بالرضا والسكينة وهو بعيد عن الله، إذ أن الرضا الحقيقي الذي يسكن النفس هو بالقرب من الله والبعد عما نهى.
والرضا هو القبول بما لا نستطيع تغييره سواء للذات أو للغير، وهو المرحلة التي تتبع أضعف الإيمان حين تحاول وتحاول ثم لا يبقى لك سوى رفض ما لا تطيق بالقلب وبعدها ترضى، حيث إنك استنفدت كل الطرق للتغيير والإصلاح ولم تنجح، وهنا يبعث الرضا السكينة في النفس بعد أن حاولت ولم تستطع التغيير.
الله وهبني السكينة كي أقبل بما لا أستطيع تغييره والشجاعة لتغيير ما أستطيع والحكمة لتمييز الفرق بين الاثنين
أما كون الرضا يتعارض مع الطموح فإنه محض خطأ, فالرضا بالمقسوم لا يمنع من الطموح والسعي المستمر للأفضل, فالرضا هنا يتفاوت لتفاوت حدود الاحتياجات، لذلك فإن الرضا بصفته الإشباع نسبي, إذ تتفاوت حدود الإشباع عند البشر وهو أمر طبيعي والسعي خلف إشباع الاحتياجات لا يعني أبداً السخط بل الرضا عن المقدرة التي يملكها كل إنسان لإشباع احتياجاته وتطويرها إن لزم الأمر.
ومن المفاهيم الخاطئة للرضا أن يرضى الإنسان بالزهد في الاحتياجات الدنيوية معتقداً أنه بإمكانه إغلاق صومعته عليه مكتفياً بالقليل ويكرس حياته لعبادة الله ظاناً أنه بذلك يعلن الرضا بما قسمه الله متجاهلاً أنه بتوقفه عن السعي وقبوله بالقليل دون سعي للأفضل, سوف يكسبه التواكل والخسة وعدم النفع.
إياك والرضا عن نفسك فإنه يضطرك إلى الخمول, وإياك والعجب فإنه يورطك في الحمق
فالمؤمن مأمور بالسعي في مناكب الأرض وإتقان العمل وتحصيل العلم وطلب العزة لنفسه ولدين الله ودفع الظلم عن المظلومين في كل أرجاء الأرض، والاستزادة غير المتناهية من الأعمال الصالحة.
والرضا عن الظلم الواقع عليك أو على غيرك, لا يعد رضاً بل جبناً وظلماً للذات وللغير، فأنت خلقت حراً ووهبك الله العقل والكرامة, فإن خضعت لظلم وقع عليك من باب الرضا فأنت تخدع نفسك وتزهق كرامتك واحترامك بنفسك, فأنت مجبر على حماية نفسك والدفاع عنها ورفع الظلم عنها بأفضل الطرق، وقد ضمنت لك التشريعات الحماية واللجوء إليها، كما وقد سنت القوانين من أجلك وأجل حقوقك إن أصابها ضيم.
لتكن غايتك فيما بينك وبين عدوك العدل وفيما بينك وبين صديقك الرضا وذلك أن العدو خصم تضربه بالحجة وتغلبه بالحكام, وأن الصديق ليس بينك وبينه قاضٍ فاغنم حكمه ورضاه
فلا تتكاسل في المطالبة بحقوقك بكل الطرق المتاحة شرعاً وقانوناً وإلا فإن الرضا الذي توهم به نفسك وتخمد به كرامتك لن يبقى معك طويلاً ويوماً ما سوف يواجهك في صورة أفكار واستنكار واستحقار لما ضيعت وفرطت في حق ذاتك. فلا تخلط بين المعنى الحقيقي للرضا المقرون بالسعي والرضا المغلف بالخضوع والاستسلام، فليس أسوأ من الحظ السيء إلا الرضا به.