فلسطين أون لاين

من مشاهد الفعاليات الشعبية قرب السياج الفاصل

حمار يكتسي علم (إسرائيل) في مسيرة العودة السلمية

...
غزة - نبيل سنونو

تتطاير قنابل الغاز التي يلقيها جيش الاحتلال الإسرائيلي على رؤوس الفلسطينيين، عدا عن الرصاص الحي، بينما يكتسي حمار علم (إسرائيل)، قرب السياج الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة سنة 1948 في منطقة تحولت إلى ساحة لخيام العودة السلمية.

ويجرُّ أحد اللاجئين الحمار –استهزاءً بـ(إسرائيل)- ومن حوله يواصل الفلسطينيون الوقوف على بعد مئات الأمتار من السياج الفاصل، على مرأى من قناصة جيش الاحتلال، الذين أوقعوا في صفوف المشاركين السلميين بالمسيرة، آلاف الجرحى والشهداء، منذ انطلاقها في 30 مارس/آذار الماضي.

هذا هو أحد مشاهد الفعاليات الشعبية لمسيرة العودة السلمية التي يحتشد فيها مئات الآلاف، رافعين علم فلسطين، ولم يخل الأمر من رفع علم الجزائر التي تربطها بالشعب الفلسطيني علاقات متينة.

والاحتلال الذي يفرض قيودا وإجراءات مشددة على منطقة السياج الفاصل، يواصل حصاره المطبق على قطاع غزة للسنة الـ11 على التوالي.

وفي قطاع غزة نحو مليون و400 ألف لاجئ فلسطيني، أما العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين المشتتين داخل وخارج فلسطين يقدر بـ5.9 ملايين لاجئ.

ومن المشاهد اللافتة للانتباه، أن الفلسطينيين يبدون "كخلية نحل" متكاملة الأدوار، إذ إن وحدات الإسعاف والطوارئ تتواجد في الميدان، رغم تهديدات الاحتلال الإسرائيلي.

يحمل مسعف خلال ذلك، أدواته على أهبة الاستعداد لإسعاف أي مصاب قد يوقعه رصاص الاحتلال الإسرائيلي، كما يعمل على الاحتماء بها من قنابل الغاز المسيل للدموع.

خلف السياج الفاصل ينشغل جنود الاحتلال بقنص الفلسطينيين العزل، لكن ذلك لم يمنع شبانا من ارتداء زي "المهرج" لإدخال الفرح إلى قلوب الأطفال، كما لم يثنهم عن تنظيم مسابقات الخيل والهجن وكمال الأجسام.

وداخل إحدى الخيام التي تحاكي تلك التي كان ينصبها فلسطينيون إبان 1948 وتنتشر فيها صور من نشاطات الشبان المطالبة بالعودة، جلست فلسطينيتان انشغلتا بخبز خبز الصاج الفلسطيني.

وهذا ليس الحدث الوحيد، فبعض المشاركين في مسيرة العودة أعدوا أكلات شعبية فلسطينية تراثية. كما أثارت المنطقة اهتمام شبان فلسطينيين للاحتفال بزفافهم قرب أراضيهم المحتلة سنة 1948.

ويتوشح الشبان الفلسطينيون بالكوفية الوطنية خلال فعالياتهم السلمية عند السياج الفاصل، يحيط بهم من كل جانب، خطر استهدافهم من قبل جنود الاحتلال.

كالنار في الهشيم

والجمعة الماضية، تلبدت سماء منطقة السياج الفاصل بالسواد، حيث امتلأت بسحب من دخان إطارات السيارات، التي أشعلها الشبان الغاضبون باتجاه جنود الاحتلال.

وشكلت السحب ما يشبه جدارا أسود على طول السياج الفاصل، تسللت من بينه قنابل الغاز الاحتلالية والرصاصات القاتلة تجاه الشبان السلميين.

وقبل ذلك، كانت الإطارات تصطف جنبا إلى جنب، أمام السياج الفاصل، وقد قضت مضاجع قادة دولة الاحتلال، التي يصفها الفلسطينيون بأنها أوهن من بيت العنكبوت.

ولم يخل تحضير الإطارات من روح الدعابة، إذ أطلق شبان على مجموعاتهم اسم "وحدة الكاوشوك"، التي تم نقلها عبر عربات، و"تكتك"، وغير ذلك، على وقع أغانٍ ثورية، وأخرى مخصصة لهذا الحدث، تحث على إشعال هذه الإطارات قرب السياج الفاصل.

وفي مشهد يذكر بالفسفور الأبيض المحرم دوليا، الذي ألقاه جيش الاحتلال على غزة في حروب عدوانية سابقة، انهمرت أدخنة قنابل الغاز على المشاركين في المسيرة.

وسط ذلك ظهرت صورة فلسطيني أحد رجليه مبتورة، يتوكأ على عصاه، ويشارك في المسيرة غير مكترث بأي شيء إلا نضاله لأجل الوطن.

وفي اليوم التالي، اكتسحت صورة الشهيد الصحفي ياسر مرتجى مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما تعمد الاحتلال استهدافه خلال أدائه واجبه المهني، رغم ارتدائه سترة الصحافة وشارتها.

وعم الشعور بالسخط مواقع التواصل، مترافقا مع صور جنازة مرتجى الذي كان قد كتب على صفحته في فيسبوك: "نفسي يجي اليوم اللي اخد هاي اللقطة (صورة جوية لميناء غزة) وأنا بالجو مش ع الأرض! اسمي ياسر مرتجى عمري 30 سنة ساكن في مدينة غزة عمري ما سافرت !".

وانتشرت صورة الطفل محمد عياش ذي الوجه القمحي المقنع بالبصل، كالنار في الهشيم، عندما استخدم هذه الطريقة للحيلولة دون الإصابة بأضرار قنابل الغاز، بينما كان يجلس جلسة القرفصاء.

ونجح أربعة فتية في تشكيل سلسلة بشرية خلف فتاة لحمايتها من قنص جنود الاحتلال الإسرائيلي، عند السياج الفاصل.

وعلى نطاق واسع، كان مشهد امرأة فلسطينية تقذف جنود الاحتلال بالحجارة حاضرا في وجدان الفلسطينيين.

ولا يزال مشهد مئات آلاف الفلسطينيين الذين شكلوا سيلا بشريا سلميا في أول جمعة من مسيرة العودة، يحتل موقعه بقوة في الذاكرة الوطنية.

من بين هؤلاء، شيوخ، رجال، شباب، نساء، أطفال، ومنهم ذوو احتياجات خاصة، الجميع جاء ليطالب بحق مكفول في القانون الدولي هو العودة، لكن (إسرائيل) لا تزال تواجههم بالعنف.

رغم ذلك، المسيرة مستمرة، "لأنها تعبر عن حراك شعبي تجاوز حتى الشكل الرسمي، فالناس من تلقاء أنفسهم يخرجون ويتوافدون للميدان، وهذا عنصر قوة يدل على تشربهم ثقافة وفكر العودة وتوسع نطاقها"، والكلام هنا للناطق باسم اللجنة التنسيقية لمسيرة العودة السلمية أحمد أبو ارتيمة.

ويوم الجمعة المقبل –يضيف أبو ارتيمة لصحيفة "فلسطين"- سيكون لرفع العلم الفلسطيني لما يمثله من هوية وطنية، موضحا أن المسيرة السلمية والحراك الدولي يزعجان الاحتلال الإسرائيلي.

وربما كانت إحدى رسائل الفلسطيني الذي كسا حمارا علم دولة الاحتلال، أن الأخيرة تتصرف كـ"حيوان"، تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل الذي لا يزال يواجه بكباره وأطفاله كل ذلك، بإرادة العودة.