فلسطين أون لاين

بأهازيج ومواويل "الختيار" ديب.. الأرض تتكلم "غزّاوي"

...
غزة - نسمة حمتو


بملابسه التقليدية القديمة والحطة الحمراء التي لا تفارق رأسه أبدًا، و"الشبابة" التي يضعها في جيبه أينما ذهب، يحاول الحاج أبو دياب ديب أن يحيي التراث الفلسطيني بطريقته، فهو لا يكل ولا يمل أبدًا من المشاركة في المناسبات الوطنية من أجل إلقاء الشعر والأهازيج القديمة، حتى أنه أصبح علمًا من أعلام "خيام العودة"، وفي كل خيمة يطلبون منه قول الأهازيج التي يحفظها عن ظهر قلب.

الطفولة والدراسة

الحاج محمد ضيف الله أبو ديب من سكان بلدة بني سهيلا شرق مدينة خانيونس مواليد 1938، هاجر مع أهله من مدينة بئر السبع في عام 1948 ولكنه يحتفظ حتى الآن بحجج الأراضي التي كان يمتلكها والده وجده هناك.

كان والد أبو دياب يعمل مزارعًا قبل النكبة وكان هو مجتهد في دراسته حتى وصل للصف الثالث الإعدادي، وبعد العدوان الثلاثي على مصر رأى العذاب بعد اعتقاله من قبل قوات الاحتلال، فقرر أن يُخرج جواز سفر "عمومة فلسطين" وذهب للسعودية، وبعد عامين عاد لغزة مرة أخرى.

منذ تلك الفترة وأبو ديب مولع جدًا في كتابة الشعر والأهازيج، وكان يشارك في الكثير من الاحتفالات، غير أنه دائمًا يحاول إحياء الأفراح وسهرات الشباب بالأهازيج التي يقولها، وجميعها من كتابته.

يقول أبو دياب (80 عامًا) لـ"فلسطين": "كل مناسبة خاصة لها أغانٍ معينة، وفي كل مناسبة أعرف ماذا أقول، فالأفراح لها أغانٍ خاصة، والحرب لها أغانٍ، والوطن له أغانٍ، والعودة لها أغانيها".

الأغاني الوطنية

وأضاف: "في العودة دائمًا أقول زجلًا لتشجيع الشباب على المشاركة في هذه المسيرات، الشباب دائمًا عندما يسمعون أغنية "الأرض تتكلم عربي"، يتحمسون على هذا الكلام، وأنا اليوم أقول الأرض لا تتكلم عربي بل تتكلم غزاوي".

وتابع قوله: "كل هذا المديح أتعلمه من كتب التاريخ وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي أيام الهجرة كانت والدة الشهيد تفرح عندما يستشهد؛ لأنها تعرف أنه مبشر بالجنة، سيأتي زمان على أمتي القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر, أجر الواحد منهم بسبعين منكم".

ومضى بالقول: "نحن نقول هذه الأغاني حسب ما تعلمنا، عندما أذهب للخيام وأنظر إليها أقول المواويل لأنني وجدت الشباب الثائر هناك متشجعين على المشاركة".

ومن الأهازيج التي يقولها أبو دياب: "من غزة للقدس لأبعث تحية حياكم الله يا الفلسطينية"، و"ليالي العز والهنا عودي، والقدس لأهلها تعود، والله علمك يا فلسطين على القدس يرفرف على كل البواب".

كتابة المواويل

ومن المواويل التي أطلقها أبو دياب قال: "من المواويل التي نقولها كتراث لشعبنا أيام 1948 كان المسؤول عن الجنود حينها الحاج أمين الحسيني وهو من سلالة عبد القادر الحسيني: "على برلين سافر بطّلنا يا حج أمين يا حامي وطنا، أي بني صهيون أخذ وطنا على بني صهيون مردود النقى".

وتابع قوله: "كنت أصنع المواويل في الحروب وكنت أقهر عدوي بالموال والأغنية، واليوم نحن نقهر العدو بمشاركتنا هذه والأغاني التي نطلقها والأهازيج القديمة، نقهره بصمودنا وثباتنا في أرضنا بالأغاني والأناشيد التي تتحدث عن الوطن والعودة".

وأشار أبو دياب إلى أنه تعلم قول الأهازيج من والده وأجداده وإخوته وأخواته لديهم نفس الهواية، قائلًا: "كنا عندما نخرج لرعاية الغنم أو الخيل نأخذ الشبابة معنا ونقول زجلًا مميزًا".

وقال: "حتى أنني ألّفت الكثير من الكلمات عن شارع جكر الذي يفصل الحدود الفلسطينية عن إسرائيلي ومنها "ليالي الأول على الله تعودي وهينا قاعدين على الحدود والله جكر في هاليهود"".

أبو دياب له الكثير من البطولات في حرب 1967 وعنها أضاف: "في عهد أحمد الشقيري كنت أناضل فيما يعرف بالكتيبة الخضراء وكنت أمتلك سلاحًا أحتفظ فيه حتى اليوم وأشارك فيه في كل الفعاليات النضالية".

مدفعية طيران

وتابع حديثه: "كان سلاحي ليس بنقدية بل "م. ط" وحرف الميم يعني مدفعية وحرف الطاء طيران، كنت في حرب الـ67 مدفعية طيران، الكتيبة الخضراء تشهد لي ويشهد لي ساحل البحر، فالدول العربية لم تستطِع فعل ما قمنا به على ساحل البحر".

وأشار إلى أنه استطاع في حادثة المنطار أن يكبد العدو الكثير من الخسائر في أثناء مشاركته مع الجيش، قائلًا: "تحركنا من الكتيبة لساحل البحر بمدفعيتنا ثم وصلنا إلى المنطار فكنا نقول "بين غزة والمنطار ياما جرى وياما صار".

خيام العودة

وقال: "غزة لم تستلم لإسرائيل من أيام 1948، وهي لن تصبح مستعمرة لأي دولة، شارون قال إن أمن تل أبيب من أمن المستعمرات الموجودة في غزة، واليوم نحن نعيش بلا مستعمرات بعد أسبوع انسحب الجيش الإسرائيلي منها، وسنحقق أملنا في العودة إلى أرضنا بإذن الله".

أبو دياب يخرج من الساعة الثامنة صباحًا يتوجه إلى خيام العودة على الحدود الشرقية لمدينة خانيونس ليشارك في الفعاليات ويتنقل بين الخيام ليقول الأهازيج والشعر ولا يمل من هذا العمل أبدًا".

ويتلقى أبو دياب اتصالات بشكل يومي من جنوب أفريقيا والأردن والسعودية والكثير من الدول ليشكروه على مشاركته في مسيرات العودة وعلى الأهازيج التي يقولها على الحدود ويشجعوه على الاستمرار في قولها.

أرض بئر السبع

ما شجع أبو دياب أكثر على البقاء في خيام العودة هو امتلاك والده وجده ما يزيد على 500 كيلو متر داخل إسرائيل في منطقة بئر السبع، وهو يمتلك كذلك ما يزيد على 130 دونمًا في بلدة بني سهيلا.

وقد شكل أبو دياب فرقة مواويل خاصة به تعمل على الربابة والشبابة، ويشارك في كثير من فرق الدبكة الشعبية والدحية، وهو يجمع الكثير من الفتيات والفتيان الصغار الذين يطلبون منه الغناء لهم ويرقصون على أنغام الأهازيج على الحدود الشرقية.

وقال: "دائمًا أحمل معي السيف وعلم فلسطين والنسور التي حصلت عليها خلال مشاركتي في الحروب، دائمًا أقول إن أهل غزة في البحر مثل الحوت وفي الجو مثل النسور وفي البر مثل الأسود".

يتمنى أبو دياب أن تتحول الخيام الموجودة في مخيم العودة إلى مدينة القدس، ويقيم فيها الناس هناك، وأن يعود أهالي البلاد إلى أراضيهم مرفوعي الرأس، فهم يستحقون الحياة ولا بد أن يأتي يوم يحققون هذا الحلم رغمًا عن أنف الاحتلال".