فلسطين أون لاين

​الحاجة "النجار" تعد خبز "الصاج" لمتظاهري العودة وعينها على "سلمة"

...
خان يونس - أحمد المصري

تجلس الحاجة فاطمة النجار متوشحة بالكوفية الفلسطينية على طرف مخيم العودة في بلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس خلف صاج الخبز مشعلة أسفله أعواد الحطب، وفوقه عجين خبز الصاج في مشهد عاد بمخيلتها إلى ذكريات الآباء والأجداد داخل قريتها المحتلة عام 48 التي طردوا منها قسرا على يد عصابات الاحتلال الصهيونية.

تلوح النجار (62 عاما) بكلتا يديها برقائق الخبز، لترقيقه ليأخذ شكلا دائريا يطبق تماماً على صاج الخبز، وترمق بعينيها إلى الاتجاه الشرقي لمجلسها وتدعو الله أن يمدها بالعمر وتجلس نفس جلستها في قريتها المحتلة "سلمة" قريبا.

وتلتزم النجار ذاتياً ودون توجيه أو طلب من أحد، بالوصول إلى مخيم العودة يومياً وإعداد خبز الصاج، منذ بدء مسيرات العودة وكسر الحصار في الـ30 من مارس/ آذار الماضي، التي جاءت في ذكرى يوم الأرض السنوية.

وتصنع النجار الخبز وتوزعه على المتظاهرين دون أي مقابل، في رسالة ترى فيها أنها خطوة لتعزيز صمود المشاركين، والعمل على إبقاء الفعاليات مستمرة في مخيم العودة سيما وأنهم بعيدون عن بيوتهم.

ولا تشعر الحاجة النجار بأي خوف جراء عدم توقف جنود الاحتلال عن إطلاق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع تجاه المتظاهرين والمعتصمين في مسيرة العودة، وتقول: "لست خائفة مطلقا من أي شيء".

وتستمر مسيرات العودة وكسر الحصار وفقا للهيئات الشعبية المحلية حتى ذكرى يوم النكبة في 15 من مايو/ أيار الماضي، وهي الذكرى السبعون لاحتلال فلسطين على يد العصابات الصهيونية وطرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم وتشتيتهم وإقامة دولة (إسرائيل).

وتقول الحاجة النجار لـ"فلسطين": "أخبز الصاج كل يوم وآتي لهنا في مخيم العودة بخزاعة، لأذكر بتراث أهلنا آبائنا وأجدادنا، وطعامهم طيب المذاق الذي كانوا يأكلونه في قراهم وبلداتهم التي هُجروا منها".

وتؤكد أن خَبزَها للصاج "رسالة معنوية"، غير أنها ترسل عبرها رسائل أخرى تتعلق في أن البلاد المحتلة التي كان أهلها يخبزون بها لن تفرط بها أبداً، مضيفةً "سأرجع غصبًا عن اليهود للبلاد إن لم يكن اليوم فغدا وسنخبز الصاج هناك".

مع انتهاء ما جلبت معها من بيتها من طحين، تتوقف الحاجة النجار عن خبز الصاج، وترمي ببصرها إلى التلة المرتفعة التي يرابط جنود الاحتلال يومياً فوقها مصوبين أسلحتهم ورصاصهم تجاه الشبان المنتفضين والمشاركين في مسيرة العودة، وما خلفهم من أشجار وأعشاب خضراء وتقول "ما أجمل بلادنا".

وبعد سنوات من حُلم العودة لقريتها، وبداية تنظيم مسيرات العودة وكسر الحصار، تأمل الحاجة النجار أن ينجح المشاركون في كسر السياج الفاصل الإسرائيلي، والوصول إلى القرى والمدن كافة التي هُجر الفلسطينيون منها.

وتدعو النجار الله أن يكلل خطوات المشاركين في مسيرة العودة بالنجاح، وأن يمحو الاحتلال وجنوده، وتقول: "كما هو طعم خبز الصاج الجميل، ورائحة البلاد الجميلة، نسأل الله أن يكون يوم عودتنا لبلادنا قريبا".