منذُ أن حلت النكبة على الشعب الفلسطيني عام 1948م عصفت الويلات بهم الواحدة تلو الأخرى، فشهد المسار في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي العديد من التغيرات والتطورات طوال السنين الماضية على مختلف الأصعدة، ولكن هذه المرة قد يبصر الفلسطينيون ميلاد حدث جديد يعد من أهم الأحداث في تاريخ القضية.
استطاع الفلسطينيون في أغلب بقاع العالم التعبير عن الذكرى بطريقتهم الخاصة في الثلاثين من آذار/ مارس الجاري من هذا العام، فجابت الشوارع المسيرات السلمية منددين بجرائم الاحتلال ضد أبناء شعبنا، وشهد هذا اليوم حجم المشاركة في الفعاليات الوطنية، الذي ازداد وارتفع ارتفاعًا ملحوظًا عن الأعوام السابقة، وتمكنت غزة صانعة الإنجازات في ظل الحصار الظالم المفروض عليها منذُ اثني عشر عامًا، وفي ظل المحاولات لتصفية القضية الفلسطينية من قبل الإدارة الأمريكية بموافقة عربية وتعرضها لهجمة شرسة كادت أن تنخر بجسدها لتلقيه أرضا، ولكن وقفت في وجه العدو بصدرها العاري في مشهد يجسد صاحب الأرض وهويته ضد محتلها الغاشم، هذا المشهد الذي ظهر مختلفا عن سابقاته من الأعوام الماضية لإحياء ذكرى الأرض.
المشاركة في مسيرة العودة الكبرى على امتداد الخط الفاصل شرق قطاع غزة، فسرعان ما هرع المواطنون مثبتين على الأرض خيامًا تحاكي واقع الفلسطينيين وتاريخهم، حاملين العلم الفلسطيني الذي بدا واضحًا وجليًا لا يعلوه ولا يسبقه أي علم آخر، مقيمين الأهازيج والدحية كنوع من التراث الوطني، وليثبتوا بأن إحياء ذكرى الأرض سيكون سلميًا. تلك المشاهد التي ظهرت بها الخيام المقامة على الحدود مع الاحتلال، أسهمت وبشكل كبير في توحيد الصف الفلسطيني وإعادة اللحمة الوطنية، بل عملت على زيادة الوعي لدى الأجيال الفلسطينية بتاريخ الأرض وتثبيت الهوية، في محاولة من القائمين على مسيرة العودة توجيه عدة رسائل إلى العالم أن الفلسطينيين لم يحيدوا يومًا عن نهج العودة إلى بلداتهم الأصلية.
ومع بدء الساعات الأولى من صباح الجمعة، توافد العشرات ثم المئات ثم الآلاف من المواطنين من مختلف الأعمار إلى مخيمات العودة، وبالرغم من الخطر الذي يلاحقهم من الاحتلال الذي يمكث خلف السواتر الترابية على بعد مئات الأمتار إلا أنهم أتوا من كل صوب وحدب إلى شرق القطاع، ليثبتوا للعالم بأن لا صفقة يمكن أن تمرّ رغمًا عنهم. وفي لوحة فنية جميلة ورغم كثافة إطلاق النيران أضحى المواطنون المشاركون يمارسون طقوس حياتهم اليومية والعديد من ممارساتهم الاجتماعية، فأحد المواطنين احتفل بيوم ميلاد أحد أبنائه، وعروسان أقاما حفل زفافهما، وعقد قران لآخرين، وأنشؤوا ملعبًا لكرة القدم، وإقامة العديد من الأعمال الفنية والتراثية، وفي اليوم السابق ليوم الجمعة أحيا العديد من الشبان في محافظة رفح ليلة سمر كبرى تخللها العديد الفقرات للمديح النبوي والدحية والأهازيج الوطنية في المكان المخصص لمسيرة العودة وأعدوا طعامًا شعبيًا لهم.
كانت بداية التواجد الفلسطيني على حدود قطاع غزة منذُ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، عبرت مختلف فئات الشعب الفلسطيني باحتجاجها على القرار، بالذهاب إلى حدود القطاع ورفع العلم الفلسطيني وإشعال إطارات السيارات وإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال المتواجدين على الحدود، لتبقى مشتعلة ويرتقي عليها عدد من الشهداء والجرحى.
فهل تصبح مسيرات العودة ظاهرة حيوية ومستمرة ومكانًا مخصصًا لعمل العديد من النشاطات الوطنية؟