نجحت المقاومة في قطاع غزة في تشكيل واقع جديد صنعته التضحيات، والإرادة السياسية لقوى المقاومة، والحاضنة الرسمية التي وفرتها الإدارة الحاكمة للقطاع، غير أن إعلان القسام عن مناورة الصمود والتحدي يعني أن المقاومة استطاعت أن تؤهل نفسها وترتب صفوفها وأذرعها العاملة بشكل مؤهل ويسمح لها بوضع التكتيكات المخططة سلفًا وتنفيذها بما يخدم المصالح العليا للشعب الفلسطيني وفق معايير منضبطة وملتزمة.
إن الرسائل التي انطلقت من قيادة المقاومة إلى جماهير شعبنا مع هذه المناورة يعني أن المقاومة تملك رصيدًا من الحنكة والتعامل مع الموقف السياسي بما يؤهلها لتكون عنوان الثقة لدى الشارع والقاعدة الشعبية، هذه الرسائل التي حملت في مجملها معاني الاعتزاز والفخر بقوى المقاومة الفلسطينية تجعل من المقاومة المسلحة الخيار الاصوب لدى الشعب المحتل، مع زحمة الخيارات والبدائل السياسية التي يحاول البعض الزج بها كبديل للمقاومة المسلحة التي عرفتها كل الشعوب المحتلة والتي تمكنت خلال مشوار تحررها من ممارستها لتحقيق الاستقلال.
إن ما تعيشه أجيال فلسطينية من انعدام الثقة بالقيادات السياسية نتيجة فشل الخيارات وانسداد آفاقها نجده مختلفًا مع المقاومة وقواها الحية، ففي حين تحظى كتائب المقاومة وسراياها باحترام المجموع الوطني بأكمله فإن معاني الاختلاف نلمسها حين نتحدث عن مكونات سلطة أوسلو وإفرازاتها، وبالتالي فإن الشارع يرفض هذا التقاسم على كعكة السلطة في حين يندفع ويتشوق إلى أدوار المقاومة القادرة على التعبير عن هذا الشعب المحتل الطامح للحرية والاستقلال.
إن خروج القسام بهذه المناورة يعني أن الكتائب تواصل الإعداد للمعركة المتواصلة مع الاحتلال وأن حركة المقاومة الاسلامية لا تقبل برهن سلاح المقاومة في أتون الصراع الداخلي المنقسم على سلطة لا تملك قرارها ولا حتى ما يمكنها من مواصلة الصرف المالي على استحقاقات الوزارة والكرسي حين تتجاهل المطالب الأمريكية فتصبح عرضة للابتزاز السياسي والمالي من قبل الاحتلال والولايات المتحدة.
كذلك فإنه من دواعي الفخر أن يعيش الفلسطيني لحظات العز التي تصنعها المقاومة حين تبث رسائل التعبئة الوطنية لجمهورها وتطمئنه أنها موجودة بثقلها، وستبقى حاضرة تدافع عنه رغم كل التفاصيل، واستمرار حالة الثقة بين المقاومة وجمهورها هو جزء أصيل من عملية الإعداد المتواصلة لدى كتائب المقاومة؛ لأن محاولة المرجفين هزّ هذه الثقة لا تنفك كون الحاضنة الشعبية لخيار المقاومة أحد أهم أسلحة المقاومة وعنوانها الأبرز الذي طالما استمر الاحتلال وأعوانه في محاولة اختراقه وإحباطه.
أما عملية الربط بين تحقيق توافق أمني بين حماس وفتح، وبين سلاح المقاومة فهذا يعني محاولة تعطيل خيار التوافق على أساس أن سلاح المقاومة هو سلاح الفوضى، والحقيقة أن فوهات سلاح المقاومة هي الأصدق وهي الأوجع، فنحن بحاجة إلى سلاح يرهب ويجرح المستوطنين لا أن يحميهم، بحاجة إلى سلاح يردع الاحتلال، بحاجة إلى سلاح يذكرنا دوما أننا شعب يواصل مقاومة المحتل ويعيش مرحلة التحرر الوطني ولم يصل بعد إلى مرحلة تكوين الأجهزة الشرطية فقط، وكأننا في عالم من الاستقرار ولا ينقصنا إلا المكتب والبدلة والرتبة!
نحن بحاجة إلى ثقافة المقاومة التي تحيي في أجيالنا الشابة أننا في أتون معركة التحرر الوطني، وأن معسكرات المقاومة ومناورتها العسكرية تشهد على ذلك، وأن سلاح المقاومة سيتواصل إعداده على مدار الساعة واللحظة بصدق المخلصين وبتضحيات شهداء الإعداد المجاهدين.
أما دلالة التوقيت لهذه المناورة فهو يحمل معاني كبيرة خاصة وأن هناك من يروج أن مسيرات العودة التي تدعو لها القوى الفلسطينية جاءت كبديل للعمل المقاوم المسلح وأن هناك تعطيلًا لهذا الخيار من قبل أصحابه، وهذا يتنافى مع الواقع؛ فقد أعلنت فصائل المقاومة حرصها على المشاركة في مسيرات العودة لكنها اليوم وعبر مناورة القسام تؤكد أن العمل المسلح للمقاومة خيارها الأول في التعامل مع الاحتلال دون إغفال أي جهد يمكن بذله باتجاه تحقيق اختراق لصالح الفلسطيني في دائرة الصراع مع الاحتلال، من المهم الإشارة كذلك إلى أن القسام سرب إلى بعض وسائل الإعلام خطة عن إحداث فراغ أمني وسياسي في القطاع في الفترة التي سبقت الإعلان عن التوصل إلى اتفاق المصالحة الأخير في القاهرة، والمناورة اليوم تعود لتدفع بورقة القسام من جديد إلى أروقة السياسيين الذين فشلوا في كل المحطات السابقة في تحقيق التوافق والمصالحة.