في ظل التجاذبات السياسية، والاختلاف في التوجهات والرؤى في تفسير الواقع الفلسطيني، ودراسة سلوكيات القادة والمسؤولين في شارعه عبر تاريخ نضاله الطويل على مدار عقود مضت؛ تولد لدينا قاموس من المترادفات وجملة من الرؤى أنهم غير مؤهلين لقيادة شعبنا، بل هم سبب في الكثير مما نعاني اليوم من غياب المستقبل السياسي، والحقيقة أنني لست بصدد مناقشة ذلك، لكن ما رغبت في طرحه هو: لماذا وصلنا إلى حالة عدم الاحترام والتقدير لقياداتنا، بل وصلنا إلى مستوى الإساءة بكلمات جارحة ومهينة تصل إلى حد التخوين؟
لقد تربينا على عمى الألوان السياسي، وافتقدنا كثيرًا فن الاختلاف مع الآخر، رافعين شعار: "أنا فقط على صواب ومن تبعني وإلا"، وما بين القوسين خطير وجارح ومهين، حتى إن العديد من التنظيمات والتجمعات قامت على إقصاء الآخر، وأجيال متعاقبة عاشت الاختلاف ولم تسمع عن تعايش واحترام مع من يعارض أو يحمل فكرًا مختلًّا أو عقيدة خارجة.
لقد وصل شبابنا إلى حالة من عدم الاحترام والتقدير لكل شخصياتنا الوطنية ورموزنا الإسلامية عربيًّا وفلسطينيًّا، وأصبح من الصعب أن نتفق على شخصية أو رمز، فالعملاق والمناضل والوطني خائن في نظر الطرف الآخر، والخائن بطل وطني وقيمة اجتماعية في نظر أتباعه ومحبيه، والمحصلة ظلم لجيل قادم رفض منا كل السلوكيات، فإن تقابل القادة وابتسموا وتعانقوا فذلك عيب وخيانة لمن سقطوا على الطريق، والخيانة حاضرة، إن اختلفوا وتخاصموا.
حالة من التناقضات زرعت داخل وجدان الشباب الفلسطينيين، وهذا خطير جدًّا على النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وعلى كل من يتولى منصبًا حكوميًّا أو تنظيميًّا أوصلنا إلى عدم الاحترام والتقدير.
فالهم كبير والخطب جلل، وعلينا جميعًا مثقفين ومتعلمين وإعلاميين أن نرتقي نحن أولًا بأنفسنا ونكون أنموذجًا يحتذى لنمثل رافعة للحالة الأخلاقية، وألا نكون أدوات بيد الساسة والمتنفذين بل أقمارًا يُهتدى بها وبوصلة تقودنا نحو السلوك السوي والقويم، أخرجونا من دائرة السباب والشتم اللذين لا يليقان بنا مسلمين وشعبًا صاحب أطول قصة نضال في التاريخ.
قد يكون من الطبيعي والصحي أن تفارق وتبتعد، وأن تختلف وتخالف وتنتقد، لكن أن تجرح وتتهم تلك منهجية أجدر أن نتخلص منها بل القضاء عليها، علينا أن نربي شبابنا على فن الاختلاف وأبجديات المعارضة، وإستراتيجيات التواصل مع من نختلف، أن نربي شبابنا على أن يختلفوا بأدب ورفق، دون تخوين وتجريح، وأن يحافظوا على الحد الأدنى من العلاقات والتواصل، وإن اختلفنا في التفاصيل وتباينت وجهات النظر.
أخرجونا من دائرة السِّباب والشتم، وليكن شعارنا: "أختلف معك، لكنني مستعد للموت من أجل أن تدلي بصوتك"، قد أختلف معك، لكني أحبك، أو أحترمك، أو _على الأقل_ لا أجرحك أو أقدح في دينك أو معتقدك.
ربُّوا شبابكم على الحب والتقدير، ومقت الكراهية والتخوين.