إن اتخاذ قرار الزواج بين رجل وامرأة, وإن كان متسرعًا أو غير صائب, هو قرار يجبر كلاً منهما على الالتزام بالمسؤولية الكبيرة التي يترتب عليها تكوين الأسرة, وهي مسؤولية صناعة أفراد صالحين ينفعون أنفسهم ومجتمعهم. والمطلوب من كلا الزوجين القيام بمسئوليتهما تجاه أبنائهما، بحيث يعتنيان بتربيتهم، ويحرصان على تعليمهم، ويبذلان كل الجهد لصلاحهم وإصلاحهم.
وللأم المهمة الأكبر في تشكيل الفرد, حيث إن مهمة الأم المربية ربما ترتكز على ثلاثة جوانب رئيسية، أولها: المحافظة على الفطرة (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، ويعهد الدور الأكبر للأم في ذلك لأنها من تلازم الطفل في سنواته السبع الأولى التي تتشكل فيها العقائد.
ثم يأتي جانب التعليم والتربية بكل آفاق التعليم والعلوم والمعارف الإسلامية وغيرها, فعلى الأم أن تعلم أولادها وترشدهم وتحثهم على تحصيل العلم والالتزام به كفريضة, حتى وإن ضلت طريقها من قبل إليه، لظروفٍ وقعت عليها, فعليها أن تسعى إليه وتعلي قيمته في عيون أبنائها.
"مستقبل المجتمع بين أيدي الأمهات.. فإذا كانت المرأة سبب ضياع العالم، فهي وحدها تستطيع إنقاذه"
عبد الله بن المقفع
ثم يأتي دور التربية الأخلاقية والإيمانية والسلوكية، فكم من أم اهتمت بتحفيظأبنائها القرآن دون أن تهتم لرفع القيم الإيمانية في قلوبهم أو رعاية سلوكهم، وكم من أم اهتمت بلباس بناتها الشرعي وأجبرتهن على ارتدائه مبكراً دون أن تلمس قلوبهن بلطف الشرع واهتمامه بهن وحرصه على حمايتهن، وبعد تأكدها من المظهر تدير ظهرها ولا تهتم بما يقر في قلوبهن من عقيدة.
"إن تربية الطفل يجب أن تبدأ عشرين عاماً، قبل ولادته.. بتربية أمه"
دي سيجور
أما الجانب الثالث وهو التحفيز والتنمية وإعلاء الهمم، ورفع شعار العزة، وحماسة العمل، والدفع بالقوة الإيجابية في هذه الحياة وتنمية الإبداع لدى الأبناء.
الأطفال جميعاً في جميع المراحل العمرية، سواء كانوا في مرحلة الرضاعة أو الطفولة المبكرة أو الطفولة المتأخرة أو المراهقة، يحتاجون لأشياء معينة من أمهم سواء كانت تعمل أو ربة منزل فهم بحاجة إلى أم سعيدة، فكثير من الأمهات لا يعطون للسعادة قدرها، بل الكثير منهن يعدون الشعور بالسعادة رفاهية ولا يعلمن أنهن إن كن سعيدات بداخلهن فإن هذا الشعور سيظهر على تصرفاتهن مع الآخرين, فينمو أولادها شاعرين بالحب والسعادة حيث تربوا في كنف أبوين يفيضان بالسعادة.
أنتِ كأم يجب أن تعي بأن أبناءك في حاجة للمثل الأعلى في حياتهم، خاصة إن كانوا صغارًا، حيث تنطبع هذه المثل في ذهنهم وتكوّن تصورهم عن مستقبلهم. أطفالك يحتاجون رؤيتك أكثر من أم، فأنتِ إنسان أيضاً ولديكِ أحلام وتطلعات وطموحات، وتسعين جاهدة لتحقيقهن مهما طال الوقت. وبذلك سيتعلم أبناءك ألا يتركوا أحلامهم أبداً وسيعيشون في سعي دائم لتحقيقها.
يحتاج الطفل أن يتعلم تحمل المسئولية والاستقلال ليساعده ذلك في حياته المستقبلية. فعليها أن تدعم الاستقلالية لديهم ولا تدعهم يعتمدون عليها كلياً في شئون المنزل وشئونهم. وأن تكون صارمة معهم عند اللزوم، وتكلفهم بالقيام بأعمال منزلية حتى وهي موجودة.
فقسا لتزدجروا ومن يك حازماً .. فليقس أحياناً على من يرحم
أبو تمام
تربية الأبناء أمر مكلف وكلنا نريد أن نمنح أبناءنا كل شيء، ولا يمنعنا سوى أبسط قواعد الاقتصاد وهي الحاجة و الموارد المحدودة, وعلى الأم أن تدرك أنها ليست مطالبة بتوفير كل ما يرغب به طفلها من كماليات, فالحرمان جزء من التربية, الأم مطالبة بمنح الوقت لأطفالها لكي تنمي وتزود مهاراتهم العقلية والاجتماعية، وتمنحهم الراحة النفسية.
عزيزتي الأم، أبناؤك بحاجة لوقتك أهم من أي شيء آخر في العالم. فوقتك يعد الوقت المفيد الذي تستمعين فيه إليهم. الوقت الذي تستمعين لاحتياجاتهم ومشكلاتهم وتخوفاتهم. الوقت الذي تخرجون فيه وتقومون فيه بالأنشطة سويا. ببساطة الوقت الذي تكونين فيه حاضرة بحيث يشعرون أنكِ موجودة من أجلهم ولأجلهم.
وأنتِ أيتها الأم العاملة، إن شعرتِ بالتقصير تجاه أبنائك فلا تكوني أكثر تجاوباً مع أطفالك حين يكونون متواجدين معكِ، ولا تبالغي في إظهار الأمومة. احرصي على أن تتركي حياتك المهنية ومشاكلك خارج منزلك حين تعودين إليه وتكونين مع أطفالك. فذلك الوقت المفيد الذي تقضونه معا سيجعلهم يدعمون عملك وحياتك المهنية أكثر لأنهم لن يشعروا بأن هناك جانب نقص لديهم كونك عاملة, بل بالعكس فعملك ينعكس عليهم بالإيجاب.