تقرير البنك الدولي والذي جاء بعد اجتماع البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي بخصوص غزة وشارك فيه ممثلو العديد من الدول العربية والغربية و(إسرائيل) وقاطعته السلطة الفلسطينية، معد للعرض في اجتماع لجنة التنسيق الخاص Ad Hoc Liaison committee بالدول المانحة للسلطة الفلسطينية والذي تم انعقاده في بلجيكا يوم الاثنين قبل الماضي. هذه اللجنة تجتمع مرتين سنويا لمتابعة أموال المانحين للسلطة وتحديد طبيعة التدخلات المستقبلية. لكن الاجتماع هذه المرة يكتسب أهمية خاصة لأنه يأتي بعيد اجتماع البيت الأبيض الذي ركز على الوضع في قطاع غزة وفي ظل توتر العلاقة بين واشنطن والسلطة الفلسطينية على إثر قرار الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص القدس وفي ظل توقف الاتصالات بينهما. إضافة لذلك، فإن التقرير يحمل الكثير من الجوانب الجديدة التي يجب أن تحظى بالاهتمام والتحليل حيث تؤشر بعضها ولو باستحياء إلى المستقبل:
فقد خصص التقرير 46 صفحة أكثر من نصفه للحديث عن أوضاع قطاع غزة خلال العقدين الاخيرين في كل المجالات وهذا غير معهود في التقارير السابقة، حيث يرى أن تهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة بشكل حاد بسبب نقص السيولة و تراجع الدعم الدولي لإعادة الإعمار والخصومات على مرتبات موظفي السلطة الوطنية وعدم قدرة حكومة غزة السابقة على دفع مرتبات موظفيها بشكل كامل ومنتظم، حيث بلغ معدل النمو في الناتج المحلي نصف بالمائة للعام 2017 مقارنة بنسبة نمو بلغت 8% في العام 2016، تراجع الدعم المخصص لإعادة الاعمار إلى 55 مليون دولار في العام 2017 مقارنة ب 400 مليون دولار في العام 2016.
يؤكد التقرير أن الوضع في غزة لا يمكن أن يستمر هكذا ويطالب كل الأطراف ذات العلاقة بالعمل المشترك لمنع حدوث الكارثة، وبالذات وجه التقرير انتقاده بشكل واضح للإجراءات الإسرائيلية المفروضة على غزة من حصار ومنع دخول السلع ذات الاستخدام المزدوج وشح الكهرباء والقيود على حرية الحركة للبضائع والأشخاص.
كما طالب التقرير بتطبيق عشرات التدخلات الفورية ومتوسطة المدى في مجالات عديدة، الكهرباء، خدمات الصرف الصحي، المياه، دعم المشروعات الصغيرة وتعزيز التصدير وزيادة عدد التصاريح الممنوحة للتجار ودعم مؤسسات القطاع الخاص وغيرها الكثير.
يقدم التقرير عددا من التوصيات بخصوص قطاع غزة منها:
1) دمج موظفي القطاع للحكومي وتحسين كفاءة العمل العام.
2) تحسين جباية الضرائب.
3) توحيد القوانين بين محافظات الشمال والجنوب.
4) تخصيص موازنات لدعم المشروعات الصغيرة.
5) تسهيل التصدير من غزة لمحافظات الشمال وإسرائيل.
6) إصدار تصاريح للتجار من غزة للدخول إلى (إسرائيل).
7) توسيع مساحات الصيد البحري.
8) زيادة الكهرباء إلى قطاع غزة.
9) بناء مناطق صناعية وتحسين الموجود منها.
10) دعم القطاع الخاص.
أنا لست بصدد اعادة قراءة تقرير البنك الدولي أو تكرار توصياته العشر الذي فسرها وشرحها بالتفصيل الممل، ولو أنها معروفة لدى الجميع، لكن ما أود قوله إن تقرير البنك الدولي هذا يدق للمرة الألف جرس الخطر، فلم يكن التقرير الاول، بل سبقه إقرارات دولية كثيرة كلها أشارت إلى أن غزة ستصبح غير قابلة للحياة الآدمية إذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه.
ومما زاد الطين بلة المحاولات الأميركية والإسرائيلية لتصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من خلال وقف المساعدات الأميركية لها مما زاد من معاناة شعبنا في القطاع خاصة وأن جزءا كبيراً من سكانه هم من اللاجئين الذين شردوا من ديارهم على أيدي العصابات الصهيونية، لذا يعتبر الاحتلال المسؤول الاول عن قضية اللاجئين، وهو اليوم يرتكب جريمة انسانية جديدة بحصاره الذي يفرضه على أهالي غزة لأكثر من عقد كامل، كما أن على الدول المانحة الوفاء بالتزاماتها من أجل إعادة إعمار قطاع غزة، لأن صدور التقارير والبيانات وعقد اللقاءات دون اتخاذ أية خطوات عملية، وفرض عقوبات على الاحتلال ستؤدي بالنتيجة إلى زيادة هذه المعاناة لأبناء شعبنا الذي وصلت نسبة البطالة بين قواه العاملة إلى أكثر من 47٪ وأن جزءا منهم من خريجي الجامعات الذين أغلقت في وجوههم كافة الأبواب من أجل العمل في تخصصاتهم جراء هذا الحصار الذي يندى له جبين الإنسانية.
كما أن نسبة المرضى بارتفاع مستمر جراء تلوث المياه، حيث إن نسبة المياه الملوثة وصلت إلى 95٪ إلى جانب النقص في الكهرباء وإغلاق العديد من المصانع وتباطؤ عملية إعادة الإعمار الناجمة عن الحروب العدوانية التي شنها الاحتلال على القطاع في غضون سنوات معدودة وعدم التزام الدول المانحة بالوفاء بتعهداتها مما يهدد بانفجار لا تعرف نتائجه.
خلاصة القول إن الحياه في قطاع غزة جراء هذه الأوضاع تهدد بالانفجار في أية لحظة في وجه الاحتلال الذي يفرض حصاراً محكماً والعالم فقط يصدر البيانات ويعقد اللقاءات ولكن دون اتخاذ أية خطوات عملية لإرغام الاحتلال الإسرائيلي على رفع هذا الحصار الظالم.