فلسطين أون لاين

​أحد أسباب التسرّب الدراسي

زواج الطّفولة.. ليالي العسل المُرّ

...
غزة - حنان مطير

طأطأت رأسها أمام وجه والدتِها العابِس وأخذت صندوق الحلوى ببطء وانطلقت خارج البيت، فيما أمسك أخوها بقطعة قماشٍ وانطلق هو الآخر، كلاهما ذهب للشارع يواجه غضب السّائقين واستياءهم، الأولى تبيع ما أُجبِرت عليه، والثاني يمسح زجاج السيّارات.

كان ذلك المشهد التمثيليّ الصامت الأول لطالبات مدرسة بنات غزة الإعدادية "ب" اللواتي عبّرن عن قسوة الفقر إذ يكون سببًا في التسرب الدراسيّ، فيما المشهدُ الثاني كان يصف الطفلة تُزفّ لعريسِها إجبارًا، أمام تهميش دور الأم التي تقف حزينةً متحسّرةً على مستقبل ابنتها الضائع دون قدرةٍ على التّدخّل ومنع الأمر، فتعاني الصغيرةُ ويلات الزواج المبكّر بعد أن حُرِمت من تعليمِها.

صغيراتٌ أتقنّ الدور، رغم عدم نطقهنّ بكلمةٍ واحدةٍ، فالحركات والإشارات والملامحُ باحت بما لم تبح به الكلماتُ.

ففي فعاليةٍ نظمتها المدرسةُ حول التسرب الدراسيّ وركّزت فيه على زواج الطفولة كسببٍ أساسيّ فيه، وشاركت فيها عدد من النساء وأولياء الأمور، أكّد منسق التحقيقات والشكاوَى في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان المحامي بكر التركماني أن التعليم لمراحل معينة تعليمٌ إلزاميّ، يُجبر وليّ الأمر على تمكين ابنِه من التعليم، وأن عدم التمكين يشكل مخالفةً للقانون.

وحمّل التركماني وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين المسؤولية والدّور الأوّل في حل وعلاج مشكلة التسرب المدرسي بشكل عام، موضحًا: "من المهم لوكالة الغوث أن تسعى للتنسيق مع الجهات الرسمية والحكومية من أجل الضغط على وزارة الشؤون الاجتماعية أو وزارة التعليم والجهات الأخرى المعنيّة".

وقال: إن "معالجة هذه القضايا والخروج منها بنتائج إيجابية لا يأتي إلا بمشاركة عدة جهات ذات العلاقة، بحيث تتحمل كل جهة مسؤوليتها".

قبل 15 عامًا

وركّزت الفعالية على "الزواج المبكر" وخطورته كسببٍ مهمٍ للتّسرب المدرسي، وحول هذا أشار التركماني إلى أن الطفل في القانون الفلسطيني هو كل شخص لم يبلغ 18 عامًا، موضحًا أن القانون المطبّق في غزة كان في فترة من الفترات يعطي مساحةً للقاضي الشرعي للموافقة أو عدمها على الزواج وفق هيئة الأنثى، وذلك بعد ضغطٍ كبير من مؤسسات المجتمع المدني والناشطين في هذا المجال، أصبح يُمنَع الزواج قبل سن 15 –وفق قوله-.

وأضاف: "لا بد من تنظيم الزّواج من خلال تحديد سنٍ مناسبة، فجزء كبير من المشكلات المرتبطة اليوم بالشق الجنائي أو الأسري متعلق بالأسرة والتنشئة داخل الأسر، وبناءً على تلك الحالات الموجودة في غزة، فالأصل أنه لا يجوز الزواج قبل 18 عامًا، لأنه يبقى في دائرة الخطر"، مشيرًا إلى أن "هناك 3200 قضية طلاق في قطاع غزّة وفق سلطة القضاء الشرعي عام 2007.

شرخ الانقسام

وفي كلمةٍ للداعية الدكتور عماد حمتو أكّد ضرورة علاج المرض وليس العَرَض، قائلًا: "المرض الحقيقي في غزّة هو الكينونة السياسية المفقودة، والوطن الكبير المفقود، ناهيك عن الانقسام الذي تضرب آثاره في كل بيت فلسطيني، فعندما يكون لنا وطن يكون لنا تشريعٌ وعلاج".

وأضاف: "من دون الوطن لا يمكن فعل شيء، فالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام لم ينزل عليه التشريع في مكّة، إذ كان الفقهاء يسمون مكّة (دار حرب)، أما دار الإسلام فهي (المدينة)، حيث نزلت فيها أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج والأسرة والتشريع والجهاد والوصية والولادة والحضانة والنفقة... إلخ".

وأتبع: "تطبيق الشريعة يحتاج لقاضي شرعي ومحامٍ شرعي، ومجتمع يفهم الشريعة، وما دام الانقسام قائمًا سنبقى نعاني ونعاني".

وأوضح أنه "في عام 2005-2006 كان أكبر عدد للقضايا التي تصل المحاكم الشرعية والنظامية سنويًا تصل إلى (800- 900) قضية، فيما اليوم يصل عدد القضايا إلى 10.000، فتلك علامات انتكاسات البيوت واحتراقها من الداخل، وسقوط الوطن الصغير، والتسرب المدرسي هو أحد هذه الانتكاسات".

وشدّد على ضرورة فهم الشريعة، التي يقول فيها العلماء إنها مناط في الأحداث وهي "القرآن السنة، القياس، الإجماع، الاستحسان، الاستصحاب، سدّ الذرائع".

وقال: "فوفق صحيح البخاري، عقد النبي على عائشة في عمر السادسة ودخل بها في عمر التاسعة، أما البيهقي فرفض ذلك وقال إنه عقد ودخل بها في عمر 18".

وأضاف: "فيما الأحناف حاولوا تقنين المسألة فاعتبروا أنّ بلوغ الفتاة يكون في عمر 15، وبذلك عدّت بعض التشريعات أنه لا يصلح الزواج قبل 15 سنة حتى وإن بلغت".

وأتبع: "بعض التشريعات أخذت بمبدأ الاستحسان فأعطت فرصة للقاضي أن يرفع سن الزواج لـ18 عامًا كحد أدنى".

اختلاف الفتوى لا الحكم

وأفاد بأن "اختلافات الفقهاء هذه أضفَت ثراء للفقه الإسلامي، وهذا الثراء بدوره أدّى لاختلاف الفتوى وليس الحكم، وبذلك فإن بلوغ المرأة يُجيز لها الزّواج، ولكن الفتوى تتغير وفق الزمان والمكان وأحوال الناس".

"وبالتالي فإن الفتاة الشابة اليوم في ظل الظرف القاسي والأزمات التي نعيشها تعاني الأمرين في وطنٍ مدمر يقوم على أساساته شباب بلا وظيفة ولا قدرة على توفير لقمة العيش ويعيشون في ظروف نفسية ومادية صعبة للغاية، فكيف إن كانت الزوجة امرأة في سن الطفولة؟!".. يتساءل.

مدارس تربوية نفسية

وأوصى حمتو بضرورة افتتاح قسم خاص بالمدارس، يكون أشبه بعيادات طبية ونفسية إلى جانب دورها التعليمي والتربوي، لمتابعة الأمهات واحتضانهنّ والاستماع لمشاكلهنّ، فذلك ينعكس إيجابيًا على أولادهنّ وعدم تسربهم من المدارس.

وأكّد أن دورًا كبيرًا وأساسًا يقع على عاتق الأم في استقرار الأبناء والتزامهم واصفًا إياها بأنها "القلعة الأخيرة التي نلجأ إليها"، خاصة في ظل الوضع الصعب والأزمات الكثيرة التي تعيشها فلسطين.

فيكون دور المرأة، وفق حمتو، عدم الانشغال عنهم واحتضانهم ومشاركتهم ومشاورتهم واحترامهم وتعليمهم أدب الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، فلا يكون همّها إطعامهم فقط.

مشاكل صحية

وأوضح الدكتور حسن اللوح المدير الطبي في مجمع الشفاء الطبي بعض الآثار السلبية للزواج المبكر، وأن الزواج المبكر يتراوح ما بين "13- 18" وهو موجود في الدول الفقيرة والنامية، إذ أكثر من 65 مليون طفلة في العالم تتزوج في السنة الواحدة، وفق قوله.

وأشار إلى أن "المشاكل الزوجية تبدأ من أول يوم في الزواج، وهو ما يسمى ليلة الفرح، لأن الطفلة لا تعرف ماذا يعني الزواج، حتى الأمهات لديهنّ جهل في توعية البنات حول الزواج، ما يؤدي للمشاكل العائلية الكثيرة".

ثم مرحلة الزواج ومشاكلها الكثيرة، كما قال د. حسن: "مثل عدم انتظام الدورة الشهرية ثم عدم الحمل والمعاناة الكبيرة لتأخره، ومشاكل الحمل، وهنا تبدأ معاناة جديدة مع الآلام الشديدة والالتهابات البولية أو التناسلية، وفقر الدّم وغيرها، ومشاكل الولادة والرضاعة".

وأضاف: "في الزواج المبكر تتعرض الطفلة لارتفاع الضغط أكثر من الشابة، وهو من أخطر الأمراض التي تواجه الحامل، ثم تسمم الحمل، ثم ولادة مبكرة من خلال الولادة القيصرية، أو انفصال الخلاصة أو النزيف المهبلي ما يؤدي لوفاة الجنين أو وفاة الأم".

وتابع: "في المستقبل قد يؤدي ذلك لاستئصال الرحم، ناهيك عن التراجع عن الحمل والامتناع عن الإنجاب بسبب الولادات القيصرية المتكررة المرهقة، في حين أن الشعب العربي يميل للإنجاب المتكرر وهذا بدوره يخلق المشاكل الكثيرة بين الأزواج".

اكتئاب الحمل وما بعده

وأوضح أن الصغيرة قد تعاني من إجهاض متكرّر لأنها على غير دراية ووعي كامل بكيفية التعامل السليم مع الحمل، بسبب عدم تهيئتها من قبل الأم للولادة، وقد تستمع لاحاديث النساء الأخريات حول هول الولادة وآلامِها وعن النساء اللواتي لقين حتفهنّ في الولادة وغيرها، فتصاب باكتئاب الحمل الذي يؤدي بها فيما بعد لاكتئاب ما بعد الولادة وهذا بدورِه يودي بها لمشاكل لا نهاية لها مع العائلة التي في الغالب لا تتعامل مع الأمر بطريقة نفسية وصحية إيجابية.

وأوصت سارة دغمش، ممثلةً عن المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، بعد دراسة أجرتها حول الزواج المبكر، بضرورة رفع سن الزواج في فلسطين لفوق 18 سنة، وعمل برامج توعوية قانونية وقائية وإرشادية دائمة، وإدخال موضوع الزواج المبكر في المناهج الدراسية التعليمية وإظهار مخاطره، وتوعية المجتمع بالمخاطر الصحية والنفسية والاجتماعية، وتوعية الأهالي بسلبياته، وعمل ورشات تدريبية للفتيات في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية لإيصال مفهوم الزواج المبكر بطريقة صحيحة وتقديم النصائح التوعوية الكافية للفتيات قبل الزواج تبين مسؤولياتها وواجباتها التي تنتظرها، ومحاولة سن قوانين تحمي حقوق الطفلة، وتخصيص قضاة شرعيين لذلك الأمر.

وكانت للسيدة فاطمة أبو عمارة، مديرة مدرسةٍ متقاعدة، مُداخلة بيّنت فيها أن الزواج المبكر سبب واحد من بين الكثير من أسباب التسرب الدراسي إذ قد تكون المدرسة أيضًا سببًا مهمًا في عدم تقبل الطالب للمدرسة وتركها دون رجعة، وفق قولِها.