فلسطين أون لاين

​توعية الأطفال بالقضية مدخلٌ لمواجهة المؤامرات

...
غزة - رنا الشرافي


المجتمع الفلسطيني من أعظم المجتمعات العربية التي مرّت على تاريخ هذه المنطقة، فالفلسطينيون لا يزالون حتى يومنا هذا يقارعون الاحتلال الإسرائيلي بأبسط ما توفر لديهم من إمكانيات، في مقابل جيش منظم من أقوى الجيوش في العالم.

مقارعة هذا المحتل لا تتوقف على الكبار فقط، فهي تنمو وتكبر مع الطفل الفلسطيني الذي انتفض ضد المحتل حاملاً بيده حجر، رغم ضعف هذا الحجر إلا أنه آمن بأنه يجدد العهد للأرض التي لا تنازل عنها بأي ميثاق أو عقد أو جلسة تفاوض.

كيف ينشأ هذا الطفل على حب الوطن؟ وما المطلوب لربطه به؟ وكيف يمكن توعيته بالقضية الفلسطينية؟ وما أهمية هذا الوعي؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الخبير بالتاريخ والآثار والتراث والمسؤول عن المواد الاجتماعية في وزارة التربية والتعليم الدكتور ناصر اليافاوي..

مع الحليب

في بداية حديثه مع صحيفة "فلسطين" قال اليافاوي: إن "الأم الفلسطينية المثقفة والواعية بقضيتها الفلسطينية هي المدرية الأولى لغرس القيم الوطنية في الجيل الفلسطيني الواعد منذ نعومة أظفاره ومروراً بمرحلة التمكين الممتدة من سن الروضة وحتى سن السابعة، ومن ثم حتى سن الثانية عشر، وهذه الأم هي أرقُّ مدرسة لغرس القيم الوطنية في نفس الطفل الفلسطيني".

وأضاف: "من المهم أن تسقي الأم الفلسطينية طفلها حب الوطن إلى جانب اللبن، وأن تربيه على مشاعر الحب لكل فلسطين بكل تفاصيلها وأجزائها، كجسد واحد لا يقبل القسمة ولا التفرقة لأي سبب كان".

وتابع: "المجتمع الفلسطيني أصبح يعاني في الفترة الأخيرة من بعض الشوائب التربوية في نقل القيم الوطنية إلى الأطفال، واقتصارها على دور المدرسة فقط متناسين دور الأم والمسجد والمجتمع ككل وهو المكمل لمسيرة وزارة التربية والتعليم".

وأشار إلى "وجود خلل في المنظومة القيمية في مجتمعنا الفلسطيني، لا بد من علاجه، وهو خلل يتعلق بمعرفة الثوابت الأساسية الوطنية التي تمر بها قضيتنا والتي تبدأ من معرفة أسماء قرى فلسطينية وأماكن تاريخية في الشق الثاني من الوطن".

وأوضح: "يجب أن يكون هناك نوع من التكامل في شكل الظواهر وشكل العلاقات الاجتماعية التي حصلت في المجتمع، على أن تبدأ التربية من الأسرة ثم المدرسة ثم المسجد ثم مجتمع الأقران، من أجل تعزيز تلك القيم التي تحاكي الواقع الفلسطيني بشكل ملموس".

وبحسب اليافاوي، فإن الأمر سيان بالنسبة للأطفال الموجودين في غزة ولأقرانهم في الضفة الغربية وفي الأراضي المحتلة عام 1948، "بل حتى في داخل المدينة الواحدة قد لا يعرف الأطفال أسماء القرى التابعة للمدن الأخرى".

وقال: "أنا أشعر بغيرة وحسد محمود من المجتمع الصهيوني –عدونا- الذي يغرس في أطفاله من سن مبكرة قيم يوشع بن نون كيف قام بذبح الفلسطينيين حسب الأكذوبة التوراتية، وقد أجرى باحث صهيوني تجربة، ووجه خلالها أسئلة لأطفال صهاينة في سن التمكين فوجدهم يحاكون روايات التوراة المحرفة ويبيحون ذبح غير اليهود حسب عقيدتهم".

وأضاف: "المجتمع المضاد يتعلم مفاهيم توراتية، والتي ذُكر فيها بعض الأماكن التاريخية في الضفة الغربية وقطاع غزة عدا عن الأراضي المحتلة عام 1948، بخلاف ما يحصل في المجتمع الفلسطيني، حيث يجهل الأطفال أسماء مناطق جغرافية وتاريخية وأثرية مهمة حتى وإن كانت قريبة من مكان سكناهم".

ورفض اليافاوي أن يقتصر تعليم الأطفال على ما يرِد في المنهاج المدرسي، فالأمر له أبعاد دينية وسياسية أيضاً، مبينا: "كل ذلك يبدأ من الأم التي يجب أن ترضع أطفالها مفاهيم وطنية تكون هي السبب في نجاح المؤسسات الاجتماعية في الوطن".

استخدام التكنولوجيا

وفي معرض رده على سؤال "فلسطين" كيف يمكن غرس هذه الثقافة عند الأطفال؟، أجاب: "في المنهاج الفلسطيني ما يحاكي واقعنا الفلسطيني، ومع ذلك يجب عدم الاكتفاء به، بل يجب التكامل معه وتطبيقه على أرض الواقع، وهذا دور الأسرة والمجتمع ككل".

وقال: إن "المناهج الفلسطينية هي البؤرة الأولى لتحقيق الوحدة الوطنية المغيبة عمداً من قبل الاحتلال".

وأضاف: "من الضروري أيضًا التكامل مع التطور التكنولوجي واغتنامه لصالح العملية التعليمية، وعرض صور ومقاطع فيديو تحاكي مناطق تاريخية ودينية في الداخل المحتل المغيب عمدا عن أطفالنا، وكذلك عرض مناطق في الضفة وفي القطاع لربط الأطفال بها وتعريفهم عليها".

ونصح الأمهات بأن يوفروا لأبنائهم ما يعزز معرفتهم بفلسطين، كمقاطع فيديو ثلاثية الأبعاد عن بيت المقدس، بدلا من الألعاب، "حتى يبقى انتماؤنا فقط لفلسطين التي يحاول الاحتلال كي وعي أطفالها، وفق مقولة (الكبار يموتون والصغار ينسون)، وحتى ينشأ جيل فلسطيني يرفض تقسيم فلسطين التاريخية"، مشيرا إلى أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في توعية الأطفال بالقضية.

وأشار اليافاوي إلى أهمية إعداد بحوث تحاكي الواقع الجغرافي والتاريخي لمناطق وقرى غير معروفة، ويمكن أن تتولى أمرها وزارة التربية والتعليم بالاستعانة بأبناء الضفة المبعدين للقطاع، وأبناء غزة الذين يسكون الضفة أو تعلموا في جامعاتها.

ودعا اليافاوي المساجد والمدارس لتنظيم رحلات للأطفال لزيارة الأماكن التاريخية والمدن الفلسطينية كافة وتعريفهم بها وبأسباب تسميتها، والخروج من محيط سكناهم إلى مناطق أخرى ليتعرفوا على كل فلسطين، وكذلك تنظيم المسابقات الوطنية التي تخدم الموضوع.

وأكد على ضرورة تنشئة الأطفال على أن فلسطين ليست الضفة والقطاع فقط، وأنها من البحر إلى النهر، مع تعريفهم بالآيات المقدسية، والأقصى، وحائط البراق، وغير ذلك من المعالم والقضايا الدينية والوطنية المُستهدفة من قبل الاحتلال.

وأكد أن غرس القيم الوطنية والتاريخية في نفوس الأطفال، لا يبني جيلًا واعيًا بقضيته فحسب، بل إنها تجعله يقف بوجه المؤامرات التي تتعرض لها فلسطين، والتي تهدف لفصل الضفة عن القطاع.