فلسطين أون لاين

​"الصبر الجميل" جهدٌ بلا شكوى

...
غزة - نسمة حمتو

الصبر ضرورة إنسانية وطبيعية قبل أن يكون ضرورة دينية، ذلك أن الصبر بمعناه هو إعطاء الأمور حقها من الوقت، وإنه لا يمكن لشيء ناجح إلا أن يأخذ نصيبه من هذا الشرط، وهذه سنة الله (تعالى) التي تحكم الكون وحياة البشر.

صنفان

قال الداعية مصطفى أبو توهة: "فيما يتعلق بحياة الناس إنهم خاضعون قسرًا وقهرًا لهذه القاعدة الربانية التي تقضي بأن يأخذ كل شيء نصيبه من الوقت، فما من نجاحٍ ولا توفيق إلا بعد أن يستوفي حقه من عنصر الزمن، فالنبي (عليه الصلاة والسلام) الذي وعده ربه بالتمكين وفتح مكة عاد إليها بعد سنين عشر، ويوسف (عليه السلام) من أجل أن تتحقق رؤياه بالسيادة والملك سلخ من عمره 40 عامًا".

وأضاف لـ"فلسطين": "ومن هناك نقول إن هذه السنة مطردة، وإن أراد إنسان أن يجتازها فلن تطاوعه الحياة، فالناس أمام الصبر قسمان: قسمٌ يتضجر ويتأفف وحاله دائمًا شاكٍ باكٍ لكل قريب وبعيد، ولكنه مع ذلك لن يحصل على كل ما يريد".

تابع أبو توهة: "أما القسم الثاني فهو صنف من البشر بلغوا من النضج والاكتمال العقلي والنفسي الحد الذي جعلهم يتحملون الشدائد، ويحدوهم الأمل في تحقيق ما تعثر اليوم ليكون بعد ذلك في متناول اليد، وهو ما يسميه القرآن الصبر الجميل، أي صبرٌ لا شكوى فيه لأي إنسانٍ، وإن كان من شكوى فهي لله رب العالمين الذي بيده كل شيء".

ذكر أبو توهة أن هذا الصبر المقرون بالجمال والكمال ليس صبرًا سلبيًّا يبعد صاحبه عن تغيير الأحوال والأوضاع، بل إنه صبر مقرون ببذل الجهد والوسع، ومحاولة الانعتاق من الحالة الراهنة بالتوكل على الله (تعالى) الذي قال: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ".

وبين أنه من أجل الحصول على كرامة الصبر وثمراته ينبغي أن يتذكر الإنسان مجموعة من الأمور، أولها أن الصبر يرفع صاحبه إلى مصاف الصابرين الذين استحقوا معية الله (تعالى)، الذي قال في كتابه الكريم: "وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ".

أما الأمر الثاني _بحسب ما ذكر أبو توهة_ فهو أن "الصابرين موعودون بأجر ومثوبة لا يمكن للإنسان معرفة قدرهما، إذ قال (تعالى): "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، ولفت إلى أن ثالثها هو أن الصبر ثمن التمكين والسيادة في الأرض، كما في قوله (تعالى): "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ".

وقال: "إن الصبر هو واحدٌ من تلك الاستحقاقات التي نستنزل بها نصر الله على أعدائنا"، مستشهدًا بقوله (تعالى): "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ".